أمة اقرأ لا تقرأ!

السبت - 04 مارس 2017

Sat - 04 Mar 2017

لا يخفى على أحد أهمية القراءة التي تكمن في أنها أداة لخلق الوعي، وبث روح الثقافة، ناهيك عن كونها سببا رئيسا في تنوير الأجيال، وزيادة المخزون الثقافي لدى الإنسان، مما يؤدي إلى خلق مجتمع واع باعتبار أن القراءة هي أرقى الوسائل لفهم طبيعة المجتمع، ولتحصين العقول وحمايتها من الانجراف نحو اللاصحيح من التصرفات.

أسعد للغاية حين أشاهد في رحلاتي الكثيرة عددا كبيرا من المسافرين يتخاطفون الصحف اليومية من مضيفة الطيران خلال الرحلة، وأصاب بالفتور حين أشاهد معظمهم اهتموا بالصحيفة لمجرد حل الكلمات المتقاطعة! ولكي نعرف حجم المشكلة لدينا، قوموا بعمل تجربة بسيطة من خلال سؤال أي قريب من أقاربكم (بشرط أن يكون جامعيا) عن جنسية الشاعر بدر شاكر السياب (مثلا). أنا متأكد أن نسبة كبيرة جدا من شبابنا المتعلم، والذي أمضى أكثر من نصف عمره في التعليم لا يعرف جنسية «السياب»! أما مشاهدة شخص يقرأ كتابا أو صحيفة في مكان عام فهذا شيء أصبح من النوادر منذ زمن ليس بالقصير، وهذا دليل صارخ على أن أمة اقرأ أصبحت لا تقرأ!

العزوف عن القراءة أصبح مشكلة مزمنة في كل شعوب دولنا العربية للأسف، فقد كشفت التقارير المتخصصة عن مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد العربي سنويا لا يتجاوز الست دقائق، في حين أن هذا المتوسط يتجاوز العشرين ساعة لدى المواطن الغربي. لذلك فإن من الطبيعي أن تكون دولة أوروبية صغيرة مثل (بلجيكا) منتجة للكتب أكثر مما تنتجه الدول العربية مجتمعة!، وتبذل الحكومات الغربية الكثير من الجهود لتشجيع المواطنين على القراءة، في حين أن ثقافة القراءة لدينا في العالم العربي لم تصل إلى مرحلة الأولوية في الاهتمام!

لا يتسع المجال هنا لسرد أسباب البعد عن القراءة وهي أسباب متعددة ومتشعبة وتتبع لعدة عوامل، منها على سبيل المثال: المستوى الاقتصادي والتعليمي والبيئي للفرد، بالإضافة إلى ما تعانيه دول المنطقة من الحروب والحصار والدمار وهذا يتسبب في تنامي الأمية بين شعوبنا العربية، ولنا أن نتصور حجم الكارثة بوجود عشرات الملايين من الأميين في عالمنا العربي مما أدى إلى تراجع المستوى الثقافي بصورة عامة في السنوات الأخيرة.

إن اتساع تعاطي أدوات التكنولوجيا الحديثة في حياة الأجيال الجديدة أضعف العلاقة بينهم والكتاب، خصوصا أن المناهج التعليمية في المدارس أصبحت تعتمد اعتمادا كاملا على استعمال الانترنت كوسيلة بحث ووسيلة حصول على المعلومة. كل هذا تناسب طرديا بشكل مباشر على صناعة التأليف والكتاب في عالمنا العربي، بدءا من صعوبة الحصول على ناشر مستقل يقوم بنشر الكتاب (بغض النظر عن الانتماءات والتوجهات)، وانتهاء بموت الرغبة لدى المبدعين في تأليف أو نشر كتاب واحد.

المستقبل الثقافي لأمة «اقرأ» أصبح مظلما ولا يبشر ببصيص أمل في نهاية النفق، الأمر الذي يجعلني أقول إننا لن نتمكن من قيادة الجنس البشري على الأقل خلال المئة عام القادمة لفقدنا القدرة على إعطاء ثقافة القراءة أهمية في دولنا العربية.