مرزوق تنباك

اللغة الرسمية واللغات الخلفية

الثلاثاء - 28 فبراير 2017

Tue - 28 Feb 2017

هل نخاف على اللغة أو نخاف على الهوية؟ هناك سمات تعبر عن الذات مثل الزي واللون والدين وغيرها من الروابط والأشياء التي تحدد شخصية الإنسان أو الأمة، وتربط بين الناس وتشكل العلاقة الأبدية بينهم، إلا أن اللغة تعد من أقوى الصلات وأكثرها تحديدا للناطقين بها، ليس لأنها لغة التواصل فحسب لكن لأنها الوعاء الحافظ للثقافة والتاريخ، والمكون الطبيعي لمعارف الإنسان الذي تتخلق فيها قيمه وعاداته وتقاليده الموروثة وبالتالي تكون اللغة هويته التي يعرف بها ويتميز عن غيره ممن لا يشاركه موروثاتها.



اللغة بهذه الصفة هي كل ما يعبر عنه الإنسان بمفهوم كلي، وكل دولة تحرص على تميز لغتها الرسمية وتلزم من يحتضنه الوطن بتعلمها وتعلم ثقافتها الاجتماعية وقلما تتنازل عن هذين الشرطين، ومع أهمية أن نتحدث عن اللغة العربية بصفتها الثقافية وصفتها المميز للشخصية العربية إلا أننا نحن في دول الخليج خاصة تصبح أهمية اللغة العربية عندنا غير كل ما سبق من وظائف. اللغة العربية في الخليج العربي لم تعد وظيفتها تواصلا كما هي وظيفة اللغات المعروفة، ولكن وظيفتها وجود سياسي يستغرق مستقبلنا كله شعوبا وحكاما للسببين التاليين:



السبب الأول أن السكان في دول الخليج لم يعودوا جنسا واحدا يتكلم لغة واحدة ولكنهم أصبحوا خليطا عجيبا من البشر لا يربط بينهم دين ولا لغة ولا ثقافة ولا جنس، ومعلوم أن سكان بعض دول الخليج يصل عدد غير العرب من عموم سكانها 80% بينما يصل أقلها نسبة 40%.



وهذه النسب العالية من السكان غير العرب ولد أكثرهم في هذه الدول وتربوا فيها وتعلموا وعملوا وعاشوا وهم لا يتكلمون العربية ولا يحسنون ثقافتها، وقد خدمتهم الظروف بوجود لغة وسيطة بين كل الأجناس وهي لغة أجنبية لا تمت إلى لغة السكان الأصليين بآصرة، تلك هي اللغة الإنجليزية التي يتكلمها كل السكان في الخليج عربا وغير عرب ويتعاملون بها وهي لغة الشركات والمدارس والجامعات ولغة السوق والمسكن ولم يعد أحد يتواصل إلا بها، أما العربية فلم تعد أكثر من واحدة من اللغات الخلفية التي يستعملها عدد من السكان في بيوتهم ومع خاصة أهلهم حالها حال اللغة الهندية والفارسية والروسية وغيرها من مئات اللغات التي يصدق عليها وصف لغة الأقلية أو اللغة الخلفية.



السبب الثاني قد تقولون مع من يقول بفضل تعلم اللغات وما الضير أن تسود اللغة الأجنبية الواحدة الإنجليزية مثلا، لأنه من المستحيل أن نعلم كل هذه الجيوش الهائلة التي تشاركنا الوطن لغتنا العربية ومن التيسير على الجميع أن نتفق على لغة تعلمها الناس في بلدهم وتعلمناها معهم ونريد أن نتواصل بها فذلك أيسر لنا وأقل تكلفة علينا وعلى القوم الذين يعيشون معنا، وأنا معكم حفظكم الله، لكن المشكلة ليست هنا المشكلة أن أكثر هؤلاء الذين نريد التيسير عليهم قد شاركونا في أرضنا مولدا ونشأة ومقاما وتعلما ولم يعد لهم بلد غير البلد الذي عاشوا فيه – الخليج - ولم يبق ما يميزنا عنهم فاللغة بيننا مشتركة وهي غير العربية، والموطن واحد ولدنا به وولدوا والثقافة واحدة أيضا فكيف نتميز عنهم في شيء غير اللغة والثقافة العربية التي تنازلنا عنها لصالحهم غير مدركين خطورة تنازلنا برضانا.



ألا ترون أنه سيأتي يوم ليس ببعيد يطالب فيه هؤلاء بحقوق المواطنة وأن من حقهم أن يحملوا جنسية الوطن وأن يتمتعوا بحقوق المواطن وواجباته، والقوانين الدولية تؤيدهم ومنظمات حقوق الإنسان في العالم تساعدهم، وسنرغم على قبولهم شئنا أم أبينا.



لو حدث هذا المحذور وهو لا شك حادث فمن هم الأكثرية وما نسبة العرب إلى غيرهم ومن سيكون بيده الأمر ولمن تكون الكثرة والغلبة لو حدث أن احتكمنا لرأي الشارع وصناديق الاقتراع؟ فكروا قليلا في الموضوع. واجعلوا اللغة العربية والثقافة العربية هما الحجة لنا عليهم والفارق الذي يميزنا عنهم.



[email protected]