في فشل الخطوة التالية.. لليوتيوب السعودي
الأحد - 26 فبراير 2017
Sun - 26 Feb 2017
لماذا تفشل الخطوة التالية لدى بعض نجوم ومشاهير الإعلام الجديد، يوتيوب، تويتر، انستقرام، سناب شات، حيث يتيح هذا الفضاء الرقمي فرصا متنوعة وغير محدودة، متجاوزا المسار التقليدي للمواهب الإعلامية، وما زالت هذه النجومية تظهر بين فترة وأخرى بأشخاص وأسماء جدد من مختلف الأعمار، حيث كل تطبيق له مشاهيره. لقد كان اليوتيوب الأسبق في حضوره كمنصة إعلامية أربكت فضائيات تقليدية خاصة في مجال تناول هموم المجتمع والنقد للخدمات والجهات الحكومية، وتميزت بأنها برامج منتجة لها كلفتها، وليست مباشرة تعتمد على مهارة الحكي اليومي وخفة الدم والتلقائية، وهي إحدى مقومات نجاح السناب شات اليوم.
مرت سنوات على نجاح شباب قنوات اليوتيوب السعودية في تقديم الكثير من الحلقات الناجحة وكانت مشاهدة من مختلف شرائح المجتمع، وحققت شعبية تفوقت فيها على كثير من برامج الفضائيات التي تعنى بالشأن الاجتماعي المحلي، وكانت فكرة برنامج الثامنة لداود وبدايته القوية لمنافسة هذه البرامج النقدية حينها، واستجابة لهذا التحدي، بعد أن سحبت حصة كبيرة من مشاهديها، قبل أن تأتي مرحلة هجرة بعض هذه الكفاءات إلى القنوات الفضائية.
هذا النجاح اتضح فيما بعد أنه عابر كغيره ولم يستطع بناء حضور مؤسسي إعلامي مستديم، فخلال العامين الأخيرين بدأ يظهر معدل التراجع، وتدنت الشريحة العمرية التي تتابعها.
فلماذا حدث هذا الهبوط المتسارع وأخذت الأضواء تتجه إلى مرحلة نجومية أخرى في السناب شات؟!
من حسن الحظ أن يكتب عنها بصراحة أحد رواد هذه المرحلة ونجومها فهد البتيري، ويقدم رؤيته النقدية في هذه الصحيفة بعنوان «غيبوبة اليوتيوب السعودي»، وهو اعتراف جريء من الداخل له مصداقية أكبر فيسأل «ماذا صنع اليوتيوب مؤخرا سوى محتوى مكرر دون أي تجديد؟ هل مات اليوتيوب لدينا؟ أم إنه في غيبوبة قد يفيق منها؟ يبدو أن القائمين على موقع يوتيوب في الشرق الأوسط بدؤوا يشعرون بانسحاب الكثير من أصحاب القنوات ذات الاشتراكات العالية في الآونة الأخيرة».
من الخطأ ربط أسباب هذا التراجع بظهور منصات رقمية أخرى بمحتوى مرئي حظيت بمتابعات عالية في سناب شات، وانستقرام، وتويتر، فهذه مؤثرات جانبية تنافسية تحدث لكل وسيلة بسبب تفتت الجمهور، فالواقع أن مظاهر هذا التراجع بدأ قبلها، بسبب المحتوى المكرر والفكرة الواحدة، والإضحاك المباشر الذي يعتمد على انتقاء مقاطع والطقطقة حولها. لقد شعر نجوم هذه البرامج بهذا المأزق الذي ينتظرهم، وحاولوا مواجهة هذا المصير بأكثر من طريقة، لكن قدراتهم وأفقهم لإحداث هذه النقلة دون مستوى التحدي، والقضية في جانب منها ليست استمرار نجاح هذا البرنامج أو ذاك إلى مالا نهاية، فهو مطلب غير واقعي، وإنما المحافظة على خطوات نجاح تراكمية. لقد كان أحد أسباب الشهرة الطارئة لنجوم اليوتيوب ظروف موقتة نتيجة ضبابية سقف النقد الإعلامي حينها، مما أتاح لها الطقطقة العشوائية على حساب المحتوى، وعندما ضاقت هذه المساحة اكتشفت أنه لا يوجد محتوى أصلا، وأن الموهبة الحكواتية ينتهي أثرها سريعا.. إذا لم تطعم بمحتوى تحريري وأفكار نقدية متجددة.
عدم القدرة على استمرار النجاح في المرحلة التالية، قد يكون سببه أن بعضها كانت مواهب مزيفة، كما يشير لذلك فهد البتيري، لكن الوصف الأقرب هو أنها مواهب محدودة القدرات، حققت شهرة في لحظة طارئة لم تكن مهيأة لها، وعطلت هذه الشهرة الطارئة قدرتهم على التطور، والتثقف والاطلاع، ومعرفة إمكانياتهم المناسبة في الظهور الإعلامي، فالمشكلة جزء منها شائع في المجال الإعلامي المحلي حيث عدم القدرة على المحافظة على النجاح، لوقت طويل.. نتيجة عدم اكتشاف نقاط الضعف مبكرا، والبحث عن نقاد أصحاب رؤية إعلامية وخبرة في مجتمعهم. فالاهتمام بالمحتوى يتطلب تواصلا أكثر مع من يملكون أفكارا لإحداث هذا التحول الناجح، لم تنجح تجربة انتقال البعض لقنوات فضائية مع ظهور دون المستوى، وأصبحت طلتهم باهتة.. لا تملك إلا سمعة بدأت تفقد بريقها.
وعندما نقارن تجربة باسم يوسف في «برنامج البرنامج» في انتقاله من اليوتيوب إلى التلفزيون، فسنلاحظ أنه حقق قفزة كبيرة ونجاحا مبهرا محليا في مجتمعه ودوليا، أكثر من مرحلة اليوتيوب، وسحب الأضواء من كل نجوم الشاشة المصرية، حيث كانت تجربته الفضائية أكثر نضجا وأداء إعلاميا، لم يكن السبب فقط هو موهبة باسم يوسف وحسه الثقافي والاجتماعي ووضوح الرؤية عنده، وإنما معه الطاقم الضخم الذي يقف خلفه، من المحررين والصحفيين والإعلاميين مما يجعل المحتوى قويا ومبهرا حتى للشخص الذي ليس له علاقة بالصراعات الموجودة في مجتمع آخر، وبالتأكيد هذا له كلفته المادية على ميزانية البرنامج، أما لدينا فلا يريد أصحاب هذه البرامج أن يدفعوا شيئا يستحق بحجة توفير التكاليف، وفي الأخير يتراجع البرنامج ويتراجع الدخل الإعلاني تدريجيا.
إن عدم القدرة على استمرارية النجاح والتطور في كثير من البرامج السعودية بالفضائيات واليوتيوب هي حالة عامة، وضعف في التخيل التجاري، نتيجة عدم الاستعداد للدفع على المحتوى وتهميش النصوص وعدم استقطاب كفاءات وخبرات تحريرية متنوعة، فحتى برنامج طاش مع الشعبية التي حققها والإمكانات الضخمة التي توفرت له، قد واجه هذا المصير مبكرا.. وعاش نصف عمره بحالات إنعاشية مستفيدا من الاستفزاز الذي يصنعه بحلقة أو حلقتين للبقاء في ذاكرة الجمهور. هذا هو العامل المشترك عند الذهنية المحلية في الإعلام والفن.. بعدم تقدير قيمة الأفكار والإنفاق عليها والبحث عنها، وحتى الطواقم التحريرية التي نقرأ أسماءها خلف كثير من هذه البرامج تجدها خبرات مبتدئة، وصحافيين صغار في السن، محدودي الثقافة والفكر والوعي بالمجتمع، ولهذا تنتكس سريعا مهما دعمت بإمكانيات مؤسسات إعلامية كبيرة.
[email protected]
مرت سنوات على نجاح شباب قنوات اليوتيوب السعودية في تقديم الكثير من الحلقات الناجحة وكانت مشاهدة من مختلف شرائح المجتمع، وحققت شعبية تفوقت فيها على كثير من برامج الفضائيات التي تعنى بالشأن الاجتماعي المحلي، وكانت فكرة برنامج الثامنة لداود وبدايته القوية لمنافسة هذه البرامج النقدية حينها، واستجابة لهذا التحدي، بعد أن سحبت حصة كبيرة من مشاهديها، قبل أن تأتي مرحلة هجرة بعض هذه الكفاءات إلى القنوات الفضائية.
هذا النجاح اتضح فيما بعد أنه عابر كغيره ولم يستطع بناء حضور مؤسسي إعلامي مستديم، فخلال العامين الأخيرين بدأ يظهر معدل التراجع، وتدنت الشريحة العمرية التي تتابعها.
فلماذا حدث هذا الهبوط المتسارع وأخذت الأضواء تتجه إلى مرحلة نجومية أخرى في السناب شات؟!
من حسن الحظ أن يكتب عنها بصراحة أحد رواد هذه المرحلة ونجومها فهد البتيري، ويقدم رؤيته النقدية في هذه الصحيفة بعنوان «غيبوبة اليوتيوب السعودي»، وهو اعتراف جريء من الداخل له مصداقية أكبر فيسأل «ماذا صنع اليوتيوب مؤخرا سوى محتوى مكرر دون أي تجديد؟ هل مات اليوتيوب لدينا؟ أم إنه في غيبوبة قد يفيق منها؟ يبدو أن القائمين على موقع يوتيوب في الشرق الأوسط بدؤوا يشعرون بانسحاب الكثير من أصحاب القنوات ذات الاشتراكات العالية في الآونة الأخيرة».
من الخطأ ربط أسباب هذا التراجع بظهور منصات رقمية أخرى بمحتوى مرئي حظيت بمتابعات عالية في سناب شات، وانستقرام، وتويتر، فهذه مؤثرات جانبية تنافسية تحدث لكل وسيلة بسبب تفتت الجمهور، فالواقع أن مظاهر هذا التراجع بدأ قبلها، بسبب المحتوى المكرر والفكرة الواحدة، والإضحاك المباشر الذي يعتمد على انتقاء مقاطع والطقطقة حولها. لقد شعر نجوم هذه البرامج بهذا المأزق الذي ينتظرهم، وحاولوا مواجهة هذا المصير بأكثر من طريقة، لكن قدراتهم وأفقهم لإحداث هذه النقلة دون مستوى التحدي، والقضية في جانب منها ليست استمرار نجاح هذا البرنامج أو ذاك إلى مالا نهاية، فهو مطلب غير واقعي، وإنما المحافظة على خطوات نجاح تراكمية. لقد كان أحد أسباب الشهرة الطارئة لنجوم اليوتيوب ظروف موقتة نتيجة ضبابية سقف النقد الإعلامي حينها، مما أتاح لها الطقطقة العشوائية على حساب المحتوى، وعندما ضاقت هذه المساحة اكتشفت أنه لا يوجد محتوى أصلا، وأن الموهبة الحكواتية ينتهي أثرها سريعا.. إذا لم تطعم بمحتوى تحريري وأفكار نقدية متجددة.
عدم القدرة على استمرار النجاح في المرحلة التالية، قد يكون سببه أن بعضها كانت مواهب مزيفة، كما يشير لذلك فهد البتيري، لكن الوصف الأقرب هو أنها مواهب محدودة القدرات، حققت شهرة في لحظة طارئة لم تكن مهيأة لها، وعطلت هذه الشهرة الطارئة قدرتهم على التطور، والتثقف والاطلاع، ومعرفة إمكانياتهم المناسبة في الظهور الإعلامي، فالمشكلة جزء منها شائع في المجال الإعلامي المحلي حيث عدم القدرة على المحافظة على النجاح، لوقت طويل.. نتيجة عدم اكتشاف نقاط الضعف مبكرا، والبحث عن نقاد أصحاب رؤية إعلامية وخبرة في مجتمعهم. فالاهتمام بالمحتوى يتطلب تواصلا أكثر مع من يملكون أفكارا لإحداث هذا التحول الناجح، لم تنجح تجربة انتقال البعض لقنوات فضائية مع ظهور دون المستوى، وأصبحت طلتهم باهتة.. لا تملك إلا سمعة بدأت تفقد بريقها.
وعندما نقارن تجربة باسم يوسف في «برنامج البرنامج» في انتقاله من اليوتيوب إلى التلفزيون، فسنلاحظ أنه حقق قفزة كبيرة ونجاحا مبهرا محليا في مجتمعه ودوليا، أكثر من مرحلة اليوتيوب، وسحب الأضواء من كل نجوم الشاشة المصرية، حيث كانت تجربته الفضائية أكثر نضجا وأداء إعلاميا، لم يكن السبب فقط هو موهبة باسم يوسف وحسه الثقافي والاجتماعي ووضوح الرؤية عنده، وإنما معه الطاقم الضخم الذي يقف خلفه، من المحررين والصحفيين والإعلاميين مما يجعل المحتوى قويا ومبهرا حتى للشخص الذي ليس له علاقة بالصراعات الموجودة في مجتمع آخر، وبالتأكيد هذا له كلفته المادية على ميزانية البرنامج، أما لدينا فلا يريد أصحاب هذه البرامج أن يدفعوا شيئا يستحق بحجة توفير التكاليف، وفي الأخير يتراجع البرنامج ويتراجع الدخل الإعلاني تدريجيا.
إن عدم القدرة على استمرارية النجاح والتطور في كثير من البرامج السعودية بالفضائيات واليوتيوب هي حالة عامة، وضعف في التخيل التجاري، نتيجة عدم الاستعداد للدفع على المحتوى وتهميش النصوص وعدم استقطاب كفاءات وخبرات تحريرية متنوعة، فحتى برنامج طاش مع الشعبية التي حققها والإمكانات الضخمة التي توفرت له، قد واجه هذا المصير مبكرا.. وعاش نصف عمره بحالات إنعاشية مستفيدا من الاستفزاز الذي يصنعه بحلقة أو حلقتين للبقاء في ذاكرة الجمهور. هذا هو العامل المشترك عند الذهنية المحلية في الإعلام والفن.. بعدم تقدير قيمة الأفكار والإنفاق عليها والبحث عنها، وحتى الطواقم التحريرية التي نقرأ أسماءها خلف كثير من هذه البرامج تجدها خبرات مبتدئة، وصحافيين صغار في السن، محدودي الثقافة والفكر والوعي بالمجتمع، ولهذا تنتكس سريعا مهما دعمت بإمكانيات مؤسسات إعلامية كبيرة.
[email protected]