الحكمة ورأسها

الجمعة - 24 فبراير 2017

Fri - 24 Feb 2017

«ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا..».. بين جهر وإخفاء تدب الأسرار، تروح وتغدو بين مجاهر بالسوء ومسر للنجوى، فالإسرار بالشيء من محامد الوصايا، والجهر بالنعم من آيات الله.

تجلي المعاني هنا جند الله الحكمة، فالحكمة تضيء حق الطريق وترشد القول بين جهر وإخفاء، فالنعم نفسها تتخفى في مراحل الإخفاء وتوضح عند تمامها.

فالحكمة نعمة من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا. والحكمة من المكتسبات، وصاحب اللب الذي يدرب نفسه على ورود ماء الحكمة الذي يروي ظمأ العمر، ولكن بترو، فلا تصدق أن قرارا، إحساسا، فعلا، أو أيا كان أخذ دون ترو، أطرته حكمة ما، ففي كل المواقف لو تمهلنا قليلا لما فعلنا أو قلنا أو اتخذنا نفس القرار والفعل والقول، فدائما ما يكون الوقت مفتاح عجل الحكمة.

البؤس ليس فقط حالة مزاجية أو سنحة عمرية، بل هو فعل وقرار غير حكيم، ولو (حصحص) البائس أصل (بؤسه) لما ابتأس، لأن العقل التحليلي لو غذي ببعض المعطيات التي عادة ما تورد إليه في شكل أسئلة، وأعطي بعض الوقت لاستنتج أصل الفعل (البؤس) ومباشرة أعطي مفاتيح الحل لا مفتاحه.

والفرح الشديد يدفع (غالبا) بالأفعال الهوجاء التي قد تتشكل في لحظات عارمة تفيض بالمشاعر التي تحجب الرؤى، (فقد) يتمنى الفاعل لو لم يفعل ما جرفته أحاسيسه البيضاء في لحظات فرح سرمدية بالنسبة للعقل الواعي، ولا منظورة لغيره.

أما اللسان (أمير الظلام) وقائد الناس للسعات سقر، فلا تناكفه بالتي هي أحسن وقت (الاستشاطة)، ولكن تمهل في فتحه من الأصل، فبضع لحظات إضافية تقي الإنسان (كلمات الترجيح) في الوقت بدل الضائع ليكسب مباريات كلامية (تعفن) الهواء ولا تمضي، بل يصر المكان والزمان على التعطر بها فتنة وريبة، فستر اللسان يقي شر الكلام، وشر الكلام هلاك الأنام، وهلاك الأنام مبتغى الشيطان، ومبتغى الشيطان (ملاواة) الرحمن.

عباد الله، لا أفتيكم جهرا، ولكني أدرب نفسي ومن يهوي معي على تخطي مغالاة (حماقية) لا موزونة ولا ممنونة. فلننقح ألواحنا (الربية) به وله، بصمت يسع كل شيء.