رحمك الله والدي

الخميس - 23 فبراير 2017

Thu - 23 Feb 2017

تأتي مصيبة الموت بدون ميعاد أو استئذان، فتهدم اللذات وتأخذ الأحباب من بيننا وتفرق الجماعات، وما بين الحدث والأحداث والأسى والأحزان تقف حائرا لا تستطيع أن تفعل شيئا وتنقذ من توقف قلبه وحركة جسده، بل تقوم وتواريه الثرى ليغيب عن الأعين إلي عالم الغيبيات التي نؤمن بأحداثها وتفاصيلها ونحن في ذهول وصبر وتأمل ولا نقول إلا سبحان من خلق فسوى وأمات وأحيا.

وفي هذه الأيام مرت بي مصيبة الموت وأخذت من بيننا والدي الغالي ونحن في ذهول ولسان حالنا يقول لو الموت رجلا لقتلته دفاعا عن والدي الغالي، لكن هي الأقدار والآجال يوزعها الله كيفما شاء فالحمد لله على كل حال. ونعزي أنفسنا بأننا ظننا بالله قوي ومتين، فوالدي عاش صالحا بشوشا محافظا على الصلوات شيخا، ومناديا للصلاة وحاثا على أدائها عندما كان عضوا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومؤذنا للصلاة فهو من أطول الناس أعناقا يوم القيامة، ووالدي رحمه الله رغم تقدمه في العمر يختم القرآن في الشهر مرتين أو ثلاثا، ويصوم الأيام البيض وكل خميس حتى إنه انتقل إلى جوار ربه في يوم الخميس الذي يصومه، وفي الأيام المسماة بالبيض، فالحمد لله والمنة، متأكد وعلى يقين وظن أنه في مقعد صدق مع النبيين والشهداء والصالحين.

لكن بوفاة أبي شعرت لأول مرة بحياتي أنني كبرت رغم أنني بلغت أشدي من سنوات. فمن يمازحني، من يعرف أنني زعلان أو فرحان، من يفرح لفرحي، من أشاوره في أمري، ويبارك لي وتحل البركة بإذن الله إلا أبي الغالي. من يدللني ويناديني بأحب أسمائي، من يسأل عني إذا تأخرت، من ومن غير أبي.

لمن أقول بابا وأبوي، أجالس من، أستأنس مع من، إنه الفراق الصعب والمصيبة التي حلت بي وزلزلت كياني. آه لم أشعر بعظم كلمة أبي إلا بعدما فقدتها، وأزداد حزنا وكمدا عندما يناديني ابني، وكأنني أغبطه على هذه الكلمة العظيمة التي كانت سببا في وجودي في هذه الحياة. آه على آه، بفقدك يا والدي فقدت الكثير، فوالدي رحمه الله كان موسوعة ثقافية وأدبية كبيرة، فقد كان مدرستي الأولى، وعلمني القراءة والكتابة، وحفظني جزء عم قبل أن أدخل المدرسة، لذلك ولله الحمد تفوقت على أقراني، وكان معلمي يكلفني بمتابعة الطلاب في القرآن وأنا في الصف الثاني الابتدائي. فماذا أقول وأكتب.. الأحداث كثيرة ولن أوفيك حقك أبدا مهما عملت، ولكن ما أملك إلا الدعاء، وسأظل متمسكا بالأمل والرجاء والظن بالله الكريم الغفور الرحيم اللطيف حتى يجمعني بك في جنة الخلد. وإنا يا والدي على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل، وصابرون على فراقك، ونستأنس ببشرى ربنا ومدبر أمرنا الحي الذي لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وأخيرا شكرا وجزى الله خيرا من واساني في فراق والدي، ومن دعا لميتنا بالغفران في ظهر الغيب.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال