فايع آل مشيرة عسيري

ذائقة الفن الأصيل..!

الخميس - 16 فبراير 2017

Thu - 16 Feb 2017

في عصـر أخذت الفن موجة التقليد الغربية، والشكشكية والسطحية الساذجة، والغرائزية التي تخضع دوما لذائقة السوق الشعبية، الموغلة في الابتذال والإسفاف والإسقاطات المشبعة بتدني الذائقة الفنية على كافة الأصعدة، واللهث خلف أرباح التجار الفنية وراء هز الوسط وتجريد المقام و»السوق عايز كده» هذا من ناحية.. ومن الناحية الأخرى يتجلى فساد الذائقة الفنية فيما يعرف بـ «الهياط الفني» الذي تقوده شريحة اتخذت من الشيلات طريقا للقفز فوق كل المدارس الفنية.. شريحة دخيلة لا تمت للفن بصلة تذكـر، وظلت عقودا مظلمة في دائرة التشكيك بين «الحلال والحرام» لتظهر في ثوب الإصلاح الذي يعاني من حالة انفصام حاد على طريقة «يا مطوع - دق خشوم - يا حسرتي - قبيلتي ونعم»، وهي مدخل للنعرات القبلية والعنصرية، ومحاولة التقليد والمحاكاة الباهتة تقليدا يأخذ من لوي الألسنة تكلفا وطريقا لنسف اللهجة القاطنة في تلك الأقطار بكل موروثهـا الشعبي، وعاداتها وتقاليدها المتجذرة تاريخيا وجغرافيا.. وهذا مؤشر تدن في المستوى الإدراكي والتعايشي والفكري والفني والثقافي..!

والشيلات التي يطلق عليهـا آخرون «اللعن دون موسيقى» هي امتداد لحالة شعبية سريعة مراهقة في غالبهـا، سرعان ما تختفي كما اختفت غيرها؛ لأنها تفتقد للبنية الفنية، فمن الطبيعي أن تتراجع وتتلاشى لتظهر غيرها في محاولة عدائية للفن الأصيل القائم على الكلمة واللحن والصوت.. عدائية لكل فن أصيل قائم على أسس أكاديمية ومعاهد فنية ومدارس أدبية وجامعات غنائية راقية..!

إذ إن الفن الأصيل لا يحتاج إلى كثير من البهرجة الإعلامية والإيقاعات الصارخة والفلاشات الكاذبة والمستحضرات التجميلية لـ «وجه الظل» القبيح الذي يظهر لنا كل فترة بوجه مسروق أكثر ضياعا وخطفا وسخفا من الأول مع الموضة الزائفة والسرابية التائهة وهكذا..؟!

فالفن الأصيل لا يحتاج إلا للقليل من التأثير؛ كي يصل إلى القلوب والعقول الصافية من دنس الأطباق الطائرة والمحطات الفضائية الربحية التي استثمرت كل شيء حتى إنها ملأت شاشاتها بالأشرطة الكسبية الدعائية مدفوعة الثمن دون قيمة لصوت أو لوجه المنشد أو لشاعر الغفلة، والأكثر ضحكا وقهقهة حين تكون ناقة سائبة في صحراء قاحلة لساعات طويلة دون أن يطرأ تغيير عليها، هذه المحطات الفضائية التي أوجدت لهؤلاء التائهين في عالم الموضة منابر صراخ وعويل على طريقة «صوت» و»سوا شباب» و»يعيش أبوصالح» ومسابقات «التميلح» و»التلميح» و»التلميع» و»التصويت لا عدمتكم»، وسيل طويل من سذاجة التسميج دون النظر للقيمة الفنية الحقيقية..!

وما هي إلا عودة لمكتبة الأخبار وهي التي تحمل إرثا فنيا عظيما كانت وما زالت عاجزة عن تقديمه كصفحة للماضي الجميل في أبهى صوره، والمؤسس الذي احترم مشاهديه وهو يقدم الفن كرسالة راقية.. وحين نفتش فوق الرفوف وبين دفتي الأتربة سنجد سهرات الوتر والسمر بين الأزقة والحارات، وتصدعات الذاكرة المتخمة بصوت الفنان الجميل «جميل محمود» في جلسة عود جميلة، نرى فيها الفن واقعا بنجومه الفنانين والممثلين معا بعيدا يربأ بفكره وفنه عن عالم «Alsucl Media» والتي عصفت بالذوق العام تحت مظلة التجديد والبعد عن القديم وإن كان هو الأصالة القائمة والأساس القويم والتاريخ الذي يخرج لنا الكلمة كوردة الحب، واللحن كآلة موسيقية نادرة، والصوت كالبلبل الشجي، حيث ينقلنا نحو الفن الأصيل الخالد في قلوب العاشقين والمتيمين لفظا ومعنى تماما كالمدارس الكبرى التي يمثلها قطبا الفن العربي عامة، والسعودي خاصة، فنان العرب محمد عبده وصوت الأرض طلال مداح، بالإضافة للعملاق الكبير أبوبكـر سالم بالفقيه والذين ما زالوا في ذاكرة وقلوب السعوديين والعرب مهما تقادمت بهم السنوات.

ومضة:

متى ندرك أن طربنا أصيل رائد يسمو فوق هذه الهرطقات الفلاشية، والترهات النشازية، والشيلات الفاقدة للأهلية الفنية والتي أفسدت ذائقة الفن الأصيل.