نهاية القبيلة الصغيرة

الثلاثاء - 14 فبراير 2017

Tue - 14 Feb 2017

نعم أقصد قبيلتي وقبيلتك وقبيلة جاري وجارك. كل قبائلنا صغيرة، فمهما كبرت قبيلتك أو عشيرتك في عينيك فإنها يجب أن تصغر أمام منهج النبوة المحمدية وترضخ للمفاهيم الإنسانية القائمة على مساواة البشر أسودهم وأبيضهم. أنا لا أبرئ نفسي هنا أو أدعي أنني يمكن أن أجر قبيلتي كفرد من أفرادها لترضخ للحضارة وللأسس الدينية الحقيقية، ولكن أحاول أن أقول رأيي الذي أعتقد أنه من صالح الإنسان والمجتمع في كل مكان.

الغرب أخذ هذه القيمة التي أقر أنها قيمة محمدية لفضل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في ترسيخها في مواقف عديدة لا يسع المجال لذكرها، أخذها وتركنا نتصارع على أسماء أجدادنا ونقسم مجتمعاتنا إلى شريف ووضيع، بل إنه من المؤسف أنه قد وصل الأمر إلى أن بعض محاكمنا أصدرت أحكاما بتطليق زوجين بتهمة عدم التكافؤ كحكم ديني أعتقد أنه كان يجب أن يراجع في كثير من الحالات.

الزمن اختلف والقادم مختلف بشكل قد لا يتصوره البعيدون عن العلم وتطوره، العلم الذي لن يجامل أحدا ولن يرضى إلا بأن يتقدم بالبشرية نحو الوحدة والتكافؤ الاجتماعي. أقصد بالتحديد العلم الذي يسمح بتحليل الخريطة الجينية للأفراد والذي ليس موضوعا جديدا للمهتمين بالعلم وعلم الجينوم بالتحديد، ولكنه اليوم صار متوفرا بسعر زهيد سيسمح للجميع بأن يتعرفوا على الخريطة الجينية لأسلافهم، وليس هذا فحسب بل إن بعض المراكز التي تقدم هذه الخدمة ستعطيك قائمة بكل أهلك الذين ينحدرون من نفس سلالتك والذين يتوزعون على كل بلدان هذه الكرة الصغيرة في هذا الكون العظيم ويحملون خريطة تشبه خريطتك، لكن ربما بعيون زرقاء مرة، ومرة ببشرة سوداء والتي هي بشرة أبينا آدم كما أكدت بعض الأبحاث.

إنني أستشرف المستقبل وقد صار هذا الاختبار إلزاميا لكل مولود ولكل فرد كبر أم صغر كهوية حقيقية ترتبط بكل شخص يحملها كـ (باركود) على معصمه، حيث أكد العلم وجود ضرورة كبيرة في المجال الصحي والدوائي لتركيب أدوية فردية لكل مريض تتلاءم مع تركيبته الجينية.

أستشرف هذا المستقبل وأرى المأزق الكبير الذي ستقع فيه القبيلة كمكون اجتماعي مهم في مجتمعي وكيف ستكتشف الأجيال القادمة زيف كثير من العنصريات والامتيازات.

سيقول قائل إن منع مثل هذا الاختبار واجب لحفظ الأنساب ولحفظ لحمة المجتمع، لكنني أذكر كل من يعتقد أن المنع حل أن يعود للتاريخ والتاريخ القريب بالتحديد ليجد أن المنع لم يقاوم ولن يقاوم، فهذه سنة الحياة.

ختاما.. ماذا سيحدث؟ هذا الأمر أصبح واقعا وما عليك إلا أن تتواصل مع أي مختبر يقدم هذه الخدمة وسيرسل لك صندوقا لأخذ عينة من جسدك ثم تعيد إرسالها له، وما هي إلا أسابيع والنتيجة ستدق بابك.

دعونا نرجع لما عرفناه من شريعتنا وعرفناه بالعقل المتزن والمتسامح الذي يساوي بين الجميع. وهذه الدعوة لا تعني أنني ضد القبيلة، بل أنا أدعمها حين تتحول إلى مؤسسة اجتماعية مدنية مثلها مثل غيرها تقدم الخدمات لأفرادها وتخدم الأوطان بما يجمع الناس لا بما يفرقهم أو يميز شخصا على آخر.