الاعتماد على الذات لتحقيق الاستقلال

الخميس - 09 فبراير 2017

Thu - 09 Feb 2017

بدأت أعداد الصحفيين الأجانب تزداد في هذا الجزء من العالم، لكن الملاحظ أنهم يختلفون عن الصحفيين الموسميين الذين كانوا يأتون إلينا في السابق، فهؤلاء من الشباب صغار السن المتحمسين الذين يبحثون عن الإجابات الشافية لأسئلتهم الكثيرة والمتسرعة.



ولهذا فقد ولت بلا رجعة أيام مشاهير الصحفيين مثل ديفيد هيرست، وبيتر مانسفيلد، وديفيد لامب، وبراين أوتوي، وكارلي ميرفي وغيرهم.



أما الصحفيون الذين يأتون إلينا هذه الأيام فإلى جانب كونهم صغار السن، فهم أيضا مسلحون بعلوم التقنية الحديثة، ومتسرعون، كما أسلفت، وكثيرا ما يقفزون إلى الوصول إلى النتائج دون تفكير عميق أو رؤية ثاقبة. كما ليس لديهم نفس النظرة السياسية والاجتماعية المتأنية مثل سابقيهم.



وإلى جانب ذلك، فإن كثيرا من هؤلاء الصحفيين الجدد قد أعماهم انحيازهم وعدم حيدتهم وطريقة تفكيرهم العقيمة رغم حداثة سنهم وحماسهم.



وهم يسألون أسئلة كثيرة ولا غضاضة في ذلك، فهذا واجبهم غير أن الصحفيين المخضرمين السابقين لم يكونوا يسألون أي سؤال يعرفون الإجابة المسبقة عليه.

ومنذ أيام قليلة سألني أحد هؤلاء الصحفيين الجدد سؤالا أخذني على حين غرة وجعلني أفكر عميقا قبل الإجابة عليه، إذ قال لي: هل تعتقد أن الدول العربية مستقلة استقلالا كاملا؟



وحقيقة قد فاجأني السؤال رغم أنني قد كتبت عن هذا الموضوع نفسه في السابق وكانت إجابتي على سؤاله المستفز هي «لا»، فأنت لا تكون مستقلا استقلالا حقيقيا حتى تكون كل عناصر القوة الوطنية في أماكنها الصحيحة كما لا تكون مستقلا استقلالا حقيقيا طالما كنت تعتمد في أمنك الغذائي والمائي على المصادر الخارجية.



ولا يمكن أن يتحقق الاستقلال الكامل في وجود عقبات تمنع التفكير الحر وتزرع بذور الفرقة والشتات. وقد زاد الطين بلة الانقلابات العسكرية الكثيرة والثورات والقلاقل والأفكار والحلول المستوردة من الخارج.



ومن أجل تحقيق الاستقلال الكامل، علينا أن نعمل جاهدين على توفير الاستقرار الاقتصادي والمالي وألاّ تكون مصائرنا ومواردنا في أيدي غيرنا.

ولم أشأ أن أوضح لذلك الصحفي الشاب أكثر من هذا، لكنني في قرارة نفسي مقتنع تماما بأنه ما لم تكن لنا القدرة والبصيرة النافذة على تقييم أوضاعنا فإننا سنظل نقبع في هذه الحفرة التي نحن فيها الآن.



ومن أجل تحقيق الاستقلال التام، يجب أن تكون لدينا وسائل الإعلام المتطورة التي لا تخضع لسلطة الحكومة ولا تتبع لأي حزب سياسي أو أية جماعة إسلامية بعينها.



كما أن على وسائل الإعلام أن تكون صوت الشعب الحر ومرآته وأداة تواصله مع قياداته وأن تركز على القضايا الاجتماعية وحسن الإدارة والحوكمة، وأن تكون منبرا للفهم والإفهام وألاّ تكون أداة للانقسام والتبعثر بل صوتا موضوعيا وإيجابيا ومستنيرا.



ومن أجل أن نكون مستقلين استقلالا كاملا، علينا أن تكون لنا حلولنا الذاتية لمشاكلنا الخاصة وليست حلولا مفروضة علينا من الخارج ولا تقوم على ما ينتظره منا الآخرون.



ولننظر على سبيل المثال إلى دول مثل كمبوديا، وفيتنام، وتايلاند، وإندونيسيا، وماليزيا، وتايوان وغيرها من الدول في آسيا وأن نقتبس صفحات من كتابها بدلا من تطلعنا نحو دول تحتقرنا وتنظر إلينا نظرة دونية مليئة بالإهانات والتهكم، فتطلعنا يجب أن يكون نحو الدول التي لنا معها قواسم وقيم مشتركة.

ويستلزم الاستقلال التام أن يعمل الجميع بجد واجتهاد حتى نكون دولا منتجة ومصدرة بدلا من أن نكون دولا مستوردة ومستهلكة فليس هناك بديل لهذا وليس أمامنا خيار غيره.



ولنزرع في مجتمعاتنا قيم العمل والإنتاج والاعتماد على الذات، خاصة ولدينا المواهب الرجالية والنسائية الشابة القادرة على تحريرنا من ربقة الماضي وقيوده.



وعلى ضوء ما سبق، يجب أن ينصب تركيزنا على بناء الدولة القائمة على الاعتماد على النفس، وعلى الكرامة واحترام حقوق الإنسان.