هل يمكن للمصاب بالتوحد الشعور بالآخرين؟

الأربعاء - 08 فبراير 2017

Wed - 08 Feb 2017

هناك صورة نمطية ثابتة، وهي أن الأشخاص الذين يعانون من التوحد يفتقرون للتعاطف ولا يمكنهم فهم الانفعالات، صحيح أنهم لا يظهرون عواطفهم بالطرق المعتادة، ولكن اتهامهم بأنهم يفتقرون للعواطف خطأ كبير، والاعتقاد بهذه الفكرة تسبب في تأخر إيجاد علاج فعال لهم.



وفقا لكل من "ريبيكا بروير، جنيفر ميرفي" اللذين قدما مقالا في المجلة العلمية "Scientific American"، فإن هذه الفكرة النمطية أصبح مشكوكا بأمرها، حيث إنه يوجد بعض المتطوعين المصابين بالتوحد، وهؤلاء أكدوا أن المصاب بالتوحد بإمكانه أن يظهر العواطف.



عدد منهم قالوا إنهم يشعرون بالتعاطف، ويصل عند بعضهم ذلك إلى حد الإفراط في المشاعر. على سبيل المثال، وصف أحد المتطوعين كيف شعر بتعاطف تجاه ضيق شقيقته في إحدى الجنائز العائلية. ولم يكن كل من "بروير وميرفي" على استعداد لتجاهل التضارب في استخدام هذا التفسير، والذي يؤكد أن مصابي التوحد ليسوا متشابهين في تقديم مشاعرهم.



اتجه الباحثان إلى دراسة الفرق بين مرض التوحد ومرض الأليكسيثيميا، والذي يعرف بأن المصاب به يواجه صعوبة في فهم وتحديد مشاعره الخاصة تجاه شيء ما.



الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من الأليكسيثيميا يدركون أن لديهم عواطف، ولكن لا يستطيعون تحديدها. ربما يكون حزينا، غاضبا، قلقا أو ربما محموما فقط. نحو 10% من البشرية يعانون من فقدان العواطف، ونحو 50% من الأشخاص الذين يعانون من التوحد يعانون من المشكلة نفسها.



الجهل أم الغضب



من السهل الاعتقاد أن الإصابة بالتوحد تسبب الإصابة بالألكسيثيميا بطريقة ما، لكن يذكر أنه من الممكن الإصابة بالتوحد بدون ألكسيثيميا، والعكس صحيح.



وعلى الرغم من وجود معدلات عالية من الإصابة بالألكسيثيميا عند المصابين بالتوحد، إلا أن المعدلات العالية موجودة بشكل متساو عند الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل، والاكتئاب، وتعاطي المخدرات والفصام، وغيرها من الحالات النفسية والعصبية.



إذن السؤال المهم هو: هل يمكن الاعتماد على المقولة إن الألكسيثيميا هي سبب صعوبة تعامل بعض الأشخاص المصابين بالتوحد مع العواطف والمشاعر دون غيرهم؟



الألكسيثيميا هي سبب الصعوبات العاطفية التي واجهها بعض المشتركين، وهي الصعوبات نفسها التي يفترض الناس وجودها عند المصابين بالتوحد.



لمعرفة ذلك، أجرى الباحثان تجربة لقياس التعاطف عند رؤية ألم الآخرين على أربع مجموعات:



1 الأفراد المصابون بالتوحد والألكسيثيميا.

2 الأفراد المصابون بالتوحد فقط.

3 الأفراد المصابون بالألكسيثيميا فقط.

4 الأفراد غير المصابين بالتوحد أو الألكسيثيميا.



وجد الباحثان أن الأفراد المصابين بالتوحد فقط قد أظهروا مستويات نموذجية من التعاطف، في حين أن الأشخاص الذين يعانون من الألكسيثيميا (بغض النظر عما إذا كانوا مصابين بالتوحد) كانوا أقل تعاطفا؛ لذلك فإن التوحد غير مرتبط بنقص المشاعر أو فقدانها.



مع ذلك فإن المصابين بالألكسيثيميا قد يكونوا مهتمين بمشاعر الآخرين، وعدم مقدرتهم على معرفة ماهية مشاعر الغضب يزيد من صعوبة تعاملهم بشكل عاطفي مع مشاعر الغضب بالتحديد.

ولكن الأفراد المصابين بالألكسيثيميا يعرفون أن الغضب حالة سلبية، ويتأثرون بغيرهم ممن يشعرون بسلبية الغضب.



وفي الواقع، في اختبار منفصل أجراه الباحثان العام الماضي، أظهر الاختبار أن المصابين بالألكسيثيميا شعروا بالضيق الشديد عند رؤيتهم مشاهد لآخرين يتألمون أكثر من غير المصابين بالألكسيثيميا.



مواجهة المشاعر



يرتبط التوحد بصعوبات عاطفية أخرى كمعرفة مشاعر الطرف الآخر، وعلى الرغم من تقبل هذه الصفة عالميا كونها أحد أعراض مرض التوحد، إلا أن هناك دليلا علميا يدعم هذا المفهوم.



ففي 2013 أجرى الباحثان تجربة على المجموعات الأربعة نفسها في التجربة السابقة، التجربة تعتمد على اختبار قدرة المجموعات الأربع على تمييز مشاعر الآخرين بناء على تعابير وجوههم.



ومرة أخرى وجدنا أن الألكسيثيميا مرتبطة بمشاكل وصعوبات في تمييز المشاعر، على عكس مرض التوحد. ووجد باحثون في جامعة لندن النتائج نفسها حين اختبروا قدرة المجموعات الأربع على التعرف على مشاعر الآخرين، لكن من خلال الأصوات بدلا من تعابير الوجه.



إن القدرة على معرفة المشاعر اعتمادا على الوجه ترتكز جزئيا على المعلومات التي تخبرنا بها العيون والفم، والمصابون بالتوحد غالبا ما يتجنبون النظر في عيون الآخرين، وهذا عامل آخر يسهم في صعوباتهم لتمييز المشاعر.



ولمعرفة السبب الذي يدفعهم إلى تجنب النظر في عيون غيرهم، هل هو التوحد أم الألكسيثيميا؟ عرض الباحثان أفلاما على المجموعات الأربع، واستخدموا تقنية تتبع العين لتحديد مسار نظر كل شخص في الفيلم.



وقد كانت النتيجة أن المصابين بالتوحد بغض النظر عن إصابتهم بالألكسيثيميا أو لا نادرا ما ينظرون إلى وجوه الآخرين عكس غيرهم، لكن عندما ينظر المصابون بالتوحد فقط دون إصابتهم بالألكسيثيميا إلى الوجوه، يفحصون حركات الفم والعينين في سلوك مماثل لمن لا يعاني من التوحد.



وعلى العكس، فإن المصابين بالأكسيثيميا بغض النظر عن حالة التوحد لديهم ينظرون إلى الوجوه لمدة معينة من الوقت، ولكنهم يظهرون أنماطا مختلفة في فحص العيون والفم أثناء النظر. هذه الأنماط المتغيرة قد تكون هي السبب الكامن وراء الصعوبات التي يواجهونها في تمييز المشاعر.



الإنقاذ العاطفي



من خلال التجارب السابقة فإن النتائج تدحض النظرية القائلة بأن التوحد يضعف تمييز المشاعر، إذا ما افترض الناس أن شخصا مصابا بالتوحد يفتقر إلى العواطف، فهم مخطئون بنسبة 50%، لأن نصف المصابين بالتوحد يصابون أيضا بالألكسيثيميا؛ مما يجعل افتراضهم ظالما ومؤذيا.



إضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث أظهرت حاجة ماسة إلى أدوات تساعد المصابين بالتوحد والألكسيثيميا على فهم مشاعرهم، وبالتالي فهم مشاعر الآخرين. وفي الوقت نفسه، يمكن للمصابين بالتوحد دون الألكسيثيميا التركيز على بناء وتقوية نقاط القوة العاطفية لديهم للتخفيف من الصعوبات الاجتماعية، وإن مرض الألكسيثيميا لا يمنع من التصرف بطريقة اجتماعية وإيجابية، وهذا ما أظهرته إحدى الدراسات على الأشخاص المصابين بالتوحد.



على الرغم من أن المصابين بالألكسيثيميا فقط يرون في قول أشياء مؤذية للآخرين أمرا مقبولا، فإن الأشخاص الذين يعانون من التوحد والألكسيثيميا معا يرون هذا الأمر غير مقبول.



وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المصابين بالتوحد يعتمدون على معلومات أخرى كالقواعد الاجتماعية؛ ليقرروا ما إذا كان قولهم مؤلما أو لا، بدلا من اعتمادهم على فهمهم للمشاعر والعواطف.



من المستحسن أن يضع الباحثون الافتراضات الأساسية حول قدرات المصابين بالتوحد تحت الاختبار والتجربة. والأهم من ذلك، ينبغي فصل تأثير التوحد عن الأمراض لأنه غالبا ما ترافق التوحد الألكسيثيميا.



يذكر أن النسخة الأصلية من هذه المقالة نشرت في موقع Spectrum المختص بنشر وتحليل أبحاث التوحد في 22 يوليو 2016، ونشرت ""Scientific American البحث بعد أخذ الإذن من الموقع الأصلي.