مرزوق تنباك

عادات الريف ومجتمع المدينة

الثلاثاء - 07 فبراير 2017

Tue - 07 Feb 2017

عندما قامت المدينة الصناعية في الغرب في العصر الحديث وانجذب إليها أهل القرى والأرياف والمزارعون، وكونوا مجتمعا جديدا يعيش حياة مختلفة عما كانت تعيشه المجتمعات القادمة من قراها وأريافها وتغيرت روابطه وصلاته التي كان يعرفها، وتقاليد الحياة القديمة التي كان يتعامل بها، صاحب ذلك التحول جهود كبيرة حاولت كلها تسهيل الواقع الجديد وتعريفه للناس، فالمدينة الكبيرة تختلف طبيعة الحياة فيها عن الريف والقرية، ولهذا أوجدت المدينة قيمها الخاصة التي تتعامل بها وتحاول تعريفها للناس وتقريبها إليهم بكل الوسائل الممكنة.



وقد حاول القادمون إليها التكيف السريع مع الحياة بقيم وعادات محدثة لم تكن مألوفة عندهم، لذلك احتاجت المدينة لجيش من المتطوعين الذين يقومون بتشكيل الوعي الاجتماعي المدني والتماهي مع البيئات الطارئة في غمرة التكوين المنضبط مع وقع التسارع الصناعي للمجتمع، ولهذا السبب نشط علماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية في شرح مضامين مجتمع المدينة المختلف عن الريف حتى أصبح للمدينة في الغرب سمات وقيم وأعراف غير ما كان معهودا في الريف، وقد احتاج الأمر إلى سنوات كثيرة لتهضم الجماعات القادمة إلى المدينة طرق التعايش الطبيعي، ويحصل التكيف الذي يعيد بناء جديدا للصلات التي لا بد منها لتقليل حالات الرفض والاغتراب التي كان لا بد أن تحدث مع الفوارق الاجتماعية.



الحال نفسه هو ما نمر به اليوم في منطقتنا العربية وفي دول الخليج خاصة فقد تحول الناس عندنا إلى المدن الكبيرة وبشكل جماعي في بعض الحالات وخلال مدة وجيزة تضاعف القادمون إلى المدن في المملكة ودول الخليج حتى بلغ تعداد سكان المدن الملايين في غضون عقد من الزمان أو عقدين، وحسبك أن مدينة مثل العاصمة الرياض يتجاوز سكانها خمسة ملايين ومثلها مدينة جدة وحاضرة الدمام وفي غضون عشرين سنة انتقل أكثر سكان المملكة إلى هذه المدن الثلاث.

وقد أحدثت الهجرة الداخلية السريعة تكدسا غير مدروس وغير منظم مما أنتج تكتلات منغلقة داخل أحياء خاصة في المدينة بشكل يشير إلى المناطق التي قدم منها أكثر سكان الحي، وبقوا يمارسون حياتهم القديمة ويتمسكون ببعض تقاليدهم القادمة معهم من الريف والبادية مما جعل التكيف مع طرق المعيشة الجديدة صعبا عليهم، كما غاب التوجيه الذي يحتاجون إليه، ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى التطوع في العمل الاجتماعي وقيام مؤسسات المجتمع المدني الذي يحل محل العادات والتقاليد التي فقدوها في حياتهم ويسعى لتكييف هؤلاء الناس مع الظروف الحالية.



ولكي ينسجم الواقع الذي أصبحوا فيه مع الحاضر الذي تحولوا إليه لا يجب أن يترك الحبل على الغارب، وأن يكون الطابع العام هو الطابع العشوائي غير المنظم.



إن مجتمع المملكة اليوم هو مجتمع شاب يتكون سريعا وتحتضن أكثره مدن قليلة أصبحت مناطق الجذب الكبيرة، وليس أمام الباحثين عن العمل أو الدراسة إلا الانتقال إلى هذه المدن، ثم لا يلبث أن يلحق بهم أقاربهم وأهلهم مما يجعل المعيشة فيها معقدة وصعبة إلى حد بعيد.



وقد غاب في مجتمع المدينة العربية المعاصرة ما توفر في مجتمعات المدن في الغرب، غاب التطوع للعمل الاجتماعي وغاب المجتمع المدني، وغاب الناشطون في تذليل الصعوبات التي يواجهها القادمون إلى رحاب المدينة، وكل هذا الغياب جعل المعيشة عليهم صعبة في بيئة الاستقرار، ونغص على الناس وشغلهم عن الاستفادة من فرص التوافق الاجتماعي الضروري والانسجام الاجتماعي وسهولة تحوله من مجتمع الريف إلى مجتمع المدينة.



[email protected]