عبدالله المزهر

أنت دائي ودوائي!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

الإثارة هي جعل الأشياء والأحداث العادية لافتة للنظر، تماما كما يحدث حين تصل المباراة إلى ركلات الترجيح يصبح الأمر مشوقا ومثيرا مع أن الفكرة الأساسية لم تتغير، هي مباراة في كرة القدم سواء انتهت في وقتها الأصلي أو بركلات الترجيح.



ونحن قوم مولعون بالإثارة ونحب أن تبدو الأمور التافهة أمورا عظيمة، وهو أمر لا بأس به في حدود، لكنه يصبح مشكلة حين نصبح جميعا دون أن ندرك ممن ينطبق عليهم قول الأستاذ أحمد بن الحسين «وتعظم في عين الصغير صغارها». غفر الله لنا وله.



في الأيام الماضية غنى محمد عبده في جدة، كما يفعل منذ أن بدأ في الغناء قبل نصف قرن، لكننا لا نحب أن يكون الأمر مجرد حديث عن رجل يغني، لا بد أن يكون الحدث أكثر إثارة وتشويقا ولو لم نفعل ذلك لكنا مثل غيرنا من الكائنات البشرية وهذا لا يليق بنا بالطبع.



ولأن المثال هو الحفلة الغنائية التي أقيمت في ملعب الجوهرة ـ وهو بالمناسبة مكان تغني فيه جماهير الاتحاد والأهلي بشكل أسبوعي تقريبا بطريقة مذهلة مليئة بالطرب ـ فإن طريقتنا في تحويل الأمر إلى ما هو أكثر من مجرد غناء ومطرب وجمهور هي أن نصف هذه «الواقعة» وكأنها شيء آخر.



أن نصفها على سبيل المثال بأنها الحدث المفصلي الذي انتشل السعودية من الظلام إلى النور، وأنها الحدث التاريخي الذي سيغير موازين الحياة، وأن هذه الحفلة لا تقل شأنا عن لحظة اختراع آلة الطباعة أو اكتشاف الكهرباء. وسيكون اليوم الذي أقيمت فيه الحفلة أحد الأيام التي سيتوقف عندها التاريخ طويلا حتى إنه قد لا يغادرها.



أو أن نصفها بأنها الحدث الذي قصم ظهر الأمة وبأنها الباقعة المؤذنة بالخراب والدمار، وبأن يوم الحفلة سيكون آخر عهد البشرية برحمة الله الرحمن الرحيم.



وعلى أي حال..



تحويل القضايا الهامشية إلى قضايا جوهرية ليس هو المشكلة في حد ذاته، هو مجرد عرض لمرض، وعلاج المرض أولى من الانشغال بالحديث عن أعراضه. فلكل داء دواء بالطبع.