باسم سلامه القليطي

عندما يتراقص الوسط الرياضي

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

اعتدنا عند ذكرنا لكلمة رياضة أن العقل يتجه لا شعوريا نحو كرة القدم، لما تملكه هذه اللعبة من خصوصية في وجدان أكثر الناس من مزاولة لها في الصغر ومن ثم الاكتفاء بالمشاهدة باقي العمر، ولا بأس بهذا العشق لهذه الرياضة الجميلة عندما تكون في حدود الهواية والتسلية وتمضية الوقت فيما لا يضر وإن كان لا ينفع، لكن هذا الحب أصبح يتخذ أوجها قبيحة على عدة مستويات، وأصبحت له تأثيرات أخلاقية سيئة على النشء والشباب.

فمن يريد أن يعلم أبناءه التعصب والغوغائية وسوء الأدب في الحوار والحدة في الطرح فليدعهم يشاهدون البرامج الرياضية فهي كفيلة بذلك عن جدارة، لأن أغلب هذه البرامج تشتهر بالصراعات وتتربح من الإثارة، وعندما تشاهدهم وهم يناقشون قضاياهم بشيء من التضخيم والتحليل، تشك للحظات أنها قضايا كونية مصيرية، ثم تكتشف أن الأمر لا يعدو كونه قضية انتقال لاعب أو مدرب، ليتنا نعطي قضايا التعليم والأمن والصحة وغيرها من الأمور الهامة لكل مواطن نصف ما نعطيه لتلك القضايا الرياضية الباهتة من جهد ووقت وحماس.

والله إن العاقل ليخجل وهو يشاهد (تغريدات) بعض المنتسبين للإعلام الرياضي، فهي مليئة بالتعصب والحقد والشماتة وتصفية الحسابات، ولا تخلو من الشتائم والأكاذيب وترويج الشائعات، وتتعجب من استخدامهم لكلمات رنانة مثل (كيان) و(أسطورة) يتم التعامل معها بشيء من المبالغة في التقدير تقترب حد التقديس، وهي مجرد مبان وهم مجرد أشخاص، بالتأكيد أن لكل إنسان حقه في التقدير والاحترام، يزداد بما يملكه من أخلاق فاضلة وعلم وبما يقدمه من حسن معاملة وعمل، لكن دون تهويل أو تضليل، فهم ليسوا علماء أفاضل ولا مخترعين أوائل.

أكثر شعوب الأرض لهم رياضاتهم المفضلة التي تكون جزءا رئيسا من حياتهم، وتشغل حيزا كبيرا من مشاعرهم وهمومهم، ولكنهم في الغالب يوزعون إعجابهم على عدة رياضات، مما يعطي المجتمع تنوعا صحيا وخيارات متعددة، وهذا ما نفتقده للأسف، ومن ناحية أخرى لا بد أن نحترم رغبة أولئك الذين لا يستمتعون بمشاهدة كرة القدم ولا يرغبون في الحديث عنها، بحيث لا نقتصر حواراتنا على هذا الأمر فقط، لدرجة أنني اعتدت على أن يسألني طلابي الجدد في أي مدرسة أنتقل إليها ثلاثة أسئلة (ايش اسمك؟ ايش تدرسنا؟ ايش تشجع؟) ولا أدري ما علاقة السؤال الثالث بما سيكون بيني وبينهم من علاقة إنسانية ودراسية، ولكن يبدو أنه أصبح عرفا اجتماعيا، وبالطبع كنت أتهرب من سؤالهم هذا بالإجابة الشهيرة (أشجع المنتخب).

لست ضد كرة القدم بل أزعم أني من مشجعيها، لكني مستاء من المستوى الهزيل الذي وصل إليه الوسط الرياضي مثلي مثل كثير من الناس، فدائرة التعصب والجهل ما زالت تتسع وفي كل يوم ينضم إليها متعصبون صغار جدد، لذا لا بد للإعلام من وقفة جادة، حتى لا تتحول هذه الجهالات إلى عادة، ثم تستقر في أذهان الناس على أنها أمر طبيعي وما خالفها غير طبيعي، والمضحك في هذا الأمر أن كثيرا ممن هم قدوة سيئة في الوسط الرياضي يتحدثون عن نبذ التعصب، ولهؤلاء أقول (ليتكم تبدؤون بأنفسكم لتكفوا عن الناس شركم، ولو فعلتم لاختفى نصف التعصب على الأقل). وأتمنى ألا يقتصر مفهوم الرياضة عند أبنائنا على التشجيع والتعصب وأن يزاولوها ولا يكتفوا بالمشاهدة، فهي لن تزيدهم لياقة ولن تكسبهم مهارة.

الأكثر قراءة