سعود ثامر الحارثي

الطب القاتل

الاثنين - 30 يناير 2017

Mon - 30 Jan 2017

نتألم كثيرا حينما نسمع عن خطأ طبي حصل في منشأة صحية ما كان ضحيته مريض، بل نتضجر ونطالب بالمحاسبة للمقصر تجاه ذلك المريض، نتجاهل ما هو أخطر من تلك الأخطاء ألا وهو ممارسة الطب الشعبي دون ترخيص أو ما أسميته ''الطب القاتل''، فالممارس للطب الشعبي الذي يطلق عليه المعالج حينا، وحينا بالعامية يسمى ''المداوي''، حينما يختص بتخصص معين فإنه يكنى به، ''فالعطار''



للمعالج بالأعشاب، و''المجبر'' لمعالج الكسور، و''الراقي'' لمن يعالج بالقرآن والرقية الشرعية، و''الحجام'' لمن يداوي بالحجامة، وتزداد المصطلحات تبعا لكل ممارس لهذه المهن أو غيرها فيكنى بها، وهو صاحب خبرة ومهارة بل إن البعض منهم استمدها وراثيا من أحد أقاربه، هذه المصطلحات كانت معروفة قديما قبل تطور الطب الحديث أما في الوقت الحالي فاختلف الحال لما لاحظناه في الآونة الأخيرة من ظهور أشخاص بعيدين كل البعد عن هذه المهن، بل إن البعض منهم ابتكر علاجا لأمراض مستعصية وأخذ يروج لها بشتى الطرق، إما عن طريق مواقع التواصل أو غيرها مذيلا تلك الدعاية برقم هاتفه للتواصل معه، ففي بداية الأمر يكون ابتكاره مجانيا حتى يصبح مشهورا يبحث عنه الآلاف ليضع بعد ذلك الأسعار للجلسات، ثم يبدأ بتجارته الوهمية كتلك العجوز التي تقطن إحدى القرى التابعة لمحافظة بيشة، فعن تجربتي معها لكي أرى ما تقوم به أخذت موعدا بعد شق الأنفس بل إن هذا الموعد أصبح بواسطة لكي أدخل عليها جلسة عادية وليست خاصة لاختلاف سعر كل من الجلستين، والمعروف أن الخاصة أغلى، فرأيت ما يندى له الجبين نحو أطفال أبرياء لا ذنب لهم سوى جهل أهاليهم، فرأيت تلك العجوز تدخل إصبعها في حلق أحد الأطفال الذين حضروا لموعد الجلسة حتى ظننت بأنها أوصلته لجوفه ثم أخرجته لينتثر الدم، ومن بعدها يدخل الطفل في حالة شبه إغماء، ثم أخرجت ذلك الإصبع وأدخلته بحلق آخر دون غسيل أو نظافة في منظر مقزز يفتقر لأدنى مقومات النظافة أو السلامة، بل إنها تشترط لمن يأتي للجلسة إحضار علبة مناديل مع علبة ماء لتنظيف طفلهم بعد العملية المعقدة التي قامت بها.



وأيضا من هؤلاء راق يخنق ويصعق بالكهرباء، وجاهل يدعي العلاج بالكي فيحرق بل يشوي جسم من أتى إليه، وآخر يخلط أعشابا لتكون وصفه لمرض معين تكون نتيجتها وخيمة، فقد تكون سببا في إيقاف الوظائف الحيوية للجسم، كذلك يستخدم البعض المواد السمية المؤدية للوفاة عاجلا أو آجلا.



فجميع هؤلاء نعتبرهم قاتلين، فقد قال عنهم المصطفى صلى الله عليه سلم (من تطبب لم يعلم منه طب فهو ضامن)، والضامن من تكون جنايته مضمونة أو تضمن عاقلته الدية على فعل ذلك الجرم.



فلا بد من التوعية بعدم الانجراف وراء هؤلاء ممن باعوا ضمائرهم من أجل المال ولو على حساب صحة البشر الباحثين عن الشفاء، فهم أكذوبة العصر تجار الوهم. ومما جاء في التحذير عن مثل هؤلاء ما صدر عن الجمعية السعودية للسكتات الدماغية من بيان تفصيلي عن الكي بالنار للسكتات الدماغية، فقد أوضح هذا البيان أن حالات الشفاء محدودة غير مدروسة أو مثبتة علميا، لذا تنصح بعدم الكي، بل متابعة العلاج الطبي.



لذا نود من وزارة الصحة أن تفرض قانونا صارما ضد أولئك الدجالين ممن يمارسون هذه المهنة دون ترخيص.



كما أن تعمل على تكوين جسر بينها وخبراء الطب الشعبي من الممارسين المعروفين بهذه المهن المختصين بها بإصدار التراخيص اللازمة لمزاولة الطب البديل التكميلي.