الترفيه وخطابنا الديني
الاثنين - 23 يناير 2017
Mon - 23 Jan 2017
كثير من المعنيين بالخطاب الديني لدينا حينما يتحدثون عن الترفيه يحصرونه بما عرف في الزمن الماضي من إجراء الخيل في مضمار السباق، ورمي السهام، وما إلى ذلك من أمور عرفت في الزمن الماضي، أي إن حديثهم عنه ما زال ينتمي لفضاء تاريخي ماض، غير مدركين أن ما يسمى (الترفيه) اليوم في كل صوره المعاصرة من رياضة، وسينما، وفنون تمثيل، وألعاب الكترونية، ومدن ألعاب ترفيهية، هو مما يصدق عليه وصف (النوازل) في القاموس الفقهي؛ إذ إنه لم يكن موجودا في الماضي، وهو نتاج من نتائج الحضارة الغربية المعاصرة، ويكاد يكون من ضروريات متطلبات الحياة المعاصرة، فما من مجتمع على وجه الأرض اليوم يخلو من وجود نواد رياضية، وفنون تمثيل، ومؤسسات ترفيهية، بل تحول الترفيه إلى صناعة جبارة، تمثل دخلا أساسيا لبعض الدول، ففي الولايات المتحدة الأمريكية بعمل أكثر من ثلاثة ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية، ويبلغ حجم هذه الصناعة 60 مليار دولار سنويا، وينفق المواطنون الأمريكيون نحو 7 مليارات دولار في ألعاب الكمبيوتر سنويا، ويباع من أجهزة الألعاب ما يفوق 225 مليون جهاز سنويا، وتبلغ عائدات صناعة السينما أكثر من 10 مليارات دولار سنويا، وحجم تجارة الموسيقى والأغاني وصل إلى 14 مليار دولار سنويا.
ويستحيل أن يوجد مجتمع اليوم غير منخرط بصناعة الترفيه حتى في ظل عدم وجود مؤسسات ترفيه قائمة، فالانترنت حطم الفضاءات الخاصة، وقضى على خرافة نقاء المجتمعات من تأثير العولمة في مجال الترفيه، فتجارة أفلام السينما، وبرامج الألعاب من خلال الانترنت شملت شعوب العالم كله، وهذا ما يجعل قضية (الترفيه) بكل صورة من قضايا (النوازل)، ولهذا فالحديث الديني عنه شائك ومعقد، والحكم الديني على هذه النوازل فرع عن تأصيل النظر الفقهي في أمور عدة، منها، الأمر الأول:
قضايا الفن من موسيقى، وأغان، وتمثيل، فمع الاتفاق على أن بعض جوانب هذه الفنون من المحرمات القطعية في الإسلام إلا أن تعميم التحريم لكل صور هذه الفنون ليس من المتفق عليه في الخطاب الديني في كل العالم الإسلامي، وهذا ما يتطلب التوازن في النظرة الدينية إلى هذه الفنون، وتخفيف نبرة الإنكار لهذه الفنون لدى قطاع من المتدينين المتحمسين.
والأمر الثاني: وهو فرع عن الرأي الديني في قضايا عمل المرأة في التمثيل، وكيفية حجابها، وقضية الاختلاط، والخلاف في النظر لكل هذا جذري وحاد بين خطابنا الديني المحلي والخطاب الديني في كل العالم الإسلامي، مع اتفاق الخطابين على تحريم بعض الصور في هذا المجال، والرأي الديني في تلك القضايا في بعض من جوانبه نابع من تقاليد المجتمعات، وأعرافها، ونظرتها لدور المرأة في المجتمع.
الأمر الثالث: الحديث عن مشروعية الترفيه فرع عن النظرة لمفهوم الدولة الحديثة وحدود صلاحيات سلطتها في الفضاء العام، فلا أحد ينكر أن القول بتحريم السينما والتمثيل له حظ من النظر دينيا على الأقل سدا للذريعة، وليس الإشكال في هذا؛ فهو رأي ديني معتبر له حظ من النظر، إنما الإشكال بالمطالبة بمنع السماح لمؤسسات الترفيه من سينما، ورياضة، وفنون تمثيلية، ومدن ألعاب ترفيهية، فهذه المطالبة متفرعة عن النظر لدور الدولة في الإسلام، فهو يرى أن الدولة في الإسلام دولة شمولية من مهماتها مراقبة سلوك الناس، وطريقة لباسهم، وتصرفاتهم، وآرائهم الدينية، ومنع كل ما ترى فيه السلطة السياسية مخالفة شرعية، أي: هي في نظره يجب أن تكون سلطة مستبدة، تتمثل بخطاب ديني ملزم لكل أفراد المجتمع. ومع استحالة تطبيق هذا النموذج للسلطة في هذا العصر فإن هذه الرؤية لمفهوم الدولة في الإسلام لم تطبق على مدى التاريخ الإسلامي كله، فلم تكن الدولة في التاريخ الإسلامي تتدخل في آراء الناس الدينية، ولهذا عاشت الفرق الإسلامية المختلفة عقديا في المجتمع الواحد، ولم يرغم أحد على ترك رأيه، ووجد في التاريخ الإسلامي المغنون والمغنيات مع تحريم فقهاء مجتمعاتهم للغناء.
ومحصل القول في هذا هو أن جانبا كبيرا جدا من الإسلام هو خيار شخصي للمسلم، له مطلق الحرية في تمثله من عدمه، وهو من سيحاسب على تفريطه بما أمر بالالتزام به دينيا يوم القيامة، ومهمة السلطة حماية الناس من تعدي بعضهم على بعض، لا مراقبة الناس في آرائهم، ولباسهم، وتصرفاتهم، وتنظيم شؤون حياتهم.
[email protected]
ويستحيل أن يوجد مجتمع اليوم غير منخرط بصناعة الترفيه حتى في ظل عدم وجود مؤسسات ترفيه قائمة، فالانترنت حطم الفضاءات الخاصة، وقضى على خرافة نقاء المجتمعات من تأثير العولمة في مجال الترفيه، فتجارة أفلام السينما، وبرامج الألعاب من خلال الانترنت شملت شعوب العالم كله، وهذا ما يجعل قضية (الترفيه) بكل صورة من قضايا (النوازل)، ولهذا فالحديث الديني عنه شائك ومعقد، والحكم الديني على هذه النوازل فرع عن تأصيل النظر الفقهي في أمور عدة، منها، الأمر الأول:
قضايا الفن من موسيقى، وأغان، وتمثيل، فمع الاتفاق على أن بعض جوانب هذه الفنون من المحرمات القطعية في الإسلام إلا أن تعميم التحريم لكل صور هذه الفنون ليس من المتفق عليه في الخطاب الديني في كل العالم الإسلامي، وهذا ما يتطلب التوازن في النظرة الدينية إلى هذه الفنون، وتخفيف نبرة الإنكار لهذه الفنون لدى قطاع من المتدينين المتحمسين.
والأمر الثاني: وهو فرع عن الرأي الديني في قضايا عمل المرأة في التمثيل، وكيفية حجابها، وقضية الاختلاط، والخلاف في النظر لكل هذا جذري وحاد بين خطابنا الديني المحلي والخطاب الديني في كل العالم الإسلامي، مع اتفاق الخطابين على تحريم بعض الصور في هذا المجال، والرأي الديني في تلك القضايا في بعض من جوانبه نابع من تقاليد المجتمعات، وأعرافها، ونظرتها لدور المرأة في المجتمع.
الأمر الثالث: الحديث عن مشروعية الترفيه فرع عن النظرة لمفهوم الدولة الحديثة وحدود صلاحيات سلطتها في الفضاء العام، فلا أحد ينكر أن القول بتحريم السينما والتمثيل له حظ من النظر دينيا على الأقل سدا للذريعة، وليس الإشكال في هذا؛ فهو رأي ديني معتبر له حظ من النظر، إنما الإشكال بالمطالبة بمنع السماح لمؤسسات الترفيه من سينما، ورياضة، وفنون تمثيلية، ومدن ألعاب ترفيهية، فهذه المطالبة متفرعة عن النظر لدور الدولة في الإسلام، فهو يرى أن الدولة في الإسلام دولة شمولية من مهماتها مراقبة سلوك الناس، وطريقة لباسهم، وتصرفاتهم، وآرائهم الدينية، ومنع كل ما ترى فيه السلطة السياسية مخالفة شرعية، أي: هي في نظره يجب أن تكون سلطة مستبدة، تتمثل بخطاب ديني ملزم لكل أفراد المجتمع. ومع استحالة تطبيق هذا النموذج للسلطة في هذا العصر فإن هذه الرؤية لمفهوم الدولة في الإسلام لم تطبق على مدى التاريخ الإسلامي كله، فلم تكن الدولة في التاريخ الإسلامي تتدخل في آراء الناس الدينية، ولهذا عاشت الفرق الإسلامية المختلفة عقديا في المجتمع الواحد، ولم يرغم أحد على ترك رأيه، ووجد في التاريخ الإسلامي المغنون والمغنيات مع تحريم فقهاء مجتمعاتهم للغناء.
ومحصل القول في هذا هو أن جانبا كبيرا جدا من الإسلام هو خيار شخصي للمسلم، له مطلق الحرية في تمثله من عدمه، وهو من سيحاسب على تفريطه بما أمر بالالتزام به دينيا يوم القيامة، ومهمة السلطة حماية الناس من تعدي بعضهم على بعض، لا مراقبة الناس في آرائهم، ولباسهم، وتصرفاتهم، وتنظيم شؤون حياتهم.
[email protected]