الفزعة.. رؤية نفسية مجتمعية

السبت - 21 يناير 2017

Sat - 21 Jan 2017

الفزعة هي الميل إلى مساعدة الآخرين والرغبة في حل مشكلاتهم المختلفة كجزء من المسؤولية الاجتماعية وفقا لتقديرات الذات المختلفة.



والفزعة يمكن أن تكون إيجابية عندما توجه لتحقيق مصلحة لا تلحق الضرر بالآخر، ولا تعود بالنفع المباشر للشخص مقدم الفزعة، ويتسم أهل الفزعة الإيجابية بسمات المبادرة والتفاعل الاجتماعي وإنكار الذات وحب الآخر، ولدى أصحابها مظاهر الانتماء القيمي ووضوح الهوية والتقدير الإيجابي للذات، وتعتبر من مظاهر التوافق النفسي ومؤشرا جيدا للصحة النفسية.



ولكن قد تأخذ الفزعة مسارا سلبيا عندما يكون من آثارها الإضرار بالآخرين وتغليب المصالح الخاصة ومخالفة الأنظمة، والفزعة السلبية عادة ما تكون بدوافع متعددة من أهمها التعصب بأشكاله المختلفة والانتصار للذات وسيطرة الهوى وتغليب المصلحة الخاصة والسعي لتهميش الآخر، ولا شك أن النمط السلبي للفزعة يعد مؤشرا لتدهور الصحة النفسية؛ وينتج عند وجود خلل في منظومة القيم والأخلاق وتنامي الجهل وشيوع التخلف الحضاري وضعف الوازع الديني وعدم سيادة القانون.



ويمكن أن تتطور سلوكيات الفزعة إلى ما يعرف باللقافة التي تعني التدخل بشؤون الآخرين وخصوصياتهم وممارسة الوصاية عليهم والبحث عن المعلومات والإغداق في التفاصيل في أسلوب تتبعي، وفي أحيان كثيرة تصبح اللقافة سمة من سمات الشخصية المصابة بالبارانويا أو أحد مظاهر اضطراب الهوية، وتتم غالبا بدافع الفضول وحب الاستطلاع.



ويمكن تحديد الخط الفاصل بين ما يعرف بالفزعة واللقافة، عندما يكون الهدف من سلوك الفزعة تحقيق مصلحة عامة وليس بدافع تحقيق مصلحة خاصة بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن تكون بإذن أو طلب من المستهدف ولا تخالف في مضمونها الأنظمة، مع وجود العلم والخبرة والدراية الكاملة بما تتم ممارسته من سلوكه وتبعاته المختلفة.



وللأسرة دور كبير في وجود سلوكيات الفزعة، من خلال مشاهدة القدوة وممارسات الثواب والعقاب لسلوكيات متكررة في مراحل النمو المبكرة وتشكل الاتجاهات، وتلعب وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والجماعات المرجعية؛ دورا مؤثرا في تكريس سلوكيات الفزعة ودعم استمرارها. وحيث إن الفزعة ليست دائما سلبية؛ تصبح أحيانا مطلبا إنسانيا لمن يحتاج إلى التوجيه أو الإرشاد أو المساعدة، وتبقى الفزعة في الاتجاه الإيجابي ما لم تتجاوز حدود النظام والقانون، ولم تتحول إلى لقافة ولم تصبح مجالا خصبا لتمجيد الذات وإشاعة الفوضى والتخلف.



وقفة: يبدو أن الحاجة إلى الفزعة في المجال الرسمي ستقل عند وجود الوعي وتنامي ثقافة الحقوق والواجبات وسيادة القانون؛ وسوف يتحول اتجاه الفزعة من الفزعة إلى الحد من الفزعة؛ عندما يكون الفزع إلى النظام وليس عكسه أو ضده.