هل الإنهاك وباء العصر الحديث؟

الأربعاء - 18 يناير 2017

Wed - 18 Jan 2017

أصبح الوصول إلى غايتك أمرا مستحيلا، أنت في سباق دائم مع الزمن، يشطرك الوقت إلى نصفين، تتزايد الحاجات، ترتفع ضربات القلب، يقل النفس، وتتساءل:



يا ترى هل عصرنا هو أكثر عصور التاريخ إنهاكا وإعياء للإنسان؟



عدد من علماء النفس والاجتماع يلقون باللوم على الحداثة، وما فرضته على البشرية من تغيرات في شكل الحياة وأنماطها وتحدياتها في الانتشار السريع لأعراض الإرهاق، مثل الاكتئاب والتوتر بشكل عام.



بحسب " Aeon"فإن مؤلفة كتاب: تاريخ الإرهاق "آنا تشافنر" تذكر أن النقاش حول الإرهاق والإنهاك يعود إلى مقارنة الاحتياجات العاطفية والمعرفية للإنسان بمستويات الطاقة البشرية، تلك المستويات ظلت ثابتة على مر التاريخ، بينما تزايدت الاحتياجات بشكل حاد جدا أخيرا.



أساليب استنفاد الطاقة: أساليب استنفاد طاقة الإنسان في عصرنا زادت نتيجة التقنيات الجديدة، فالبريد الالكتروني والهواتف المحمولة على سبيل المثال أدوات تجعل الموظفين متاحين على الدوام سواء في أوقات الراحة أو الدوام.



هذا يجعل المنافسة شديدة بين الجميع، فيصبح من الصعب على الموظفين أن يفصلوا أنفسهم عن وظائفهم، فلا عجب إذن في أن الجميع منهكون.



ما لا يلاحظ في كثير من الأحيان أن المخاوف بشأن الإرهاق ليست حكرا على عصرنا فقط، فأولئك الذين يتصورون أن الحياة في الماضي كانت أكثر بساطة وأبطأ وتيرة مخطئون.



تجربة الإرهاق والقلق ليست مرتبطة بعصر معين، على العكس من ذلك، الإرهاق وآثاره لدى المفكرين موجودة منذ العصور الكلاسيكية القديمة.



الإرهاق في التاريخ: الإرهاق هو تجربة في كل مكان وزمان وفقا لقول "تشافنر" على مر القرون، وألقت المصادر الطبية والثقافية والأدبية والسيرة الذاتية الضوء على الإرهاق، فطيلة قرون عد الأدباء والمثقفون والأطباء الإرهاق ناتجا عن عدم التوازن في الكيمياء الحيوية للجسد، أو عن مرض فيروسي، أو ألم روحي.



كذلك اعتبر مرتبطا بالخسارة، وحركة الكواكب، والرغبة في الموت، أو الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. إن الإرهاق ليس تجربة جسدية فقط بل هو تجربة عقلية ومجتمعية ثقافية.



النظريات حول الإرهاق تفيد في معرفة كيف كان الناس ينظرون في الماضي للعقل والجسد والمجتمع، وتتناول نظريات الإرهاق أسئلة مثل المسؤولية وقوة الإرادة، وترى بعض النظريات أنه شكل من أشكال الضعف في الإرادة.



نظريات القرون الوسطى تدور حول عوامل مثل فقدان الشغف والخطيئة، بينما النظريات الحديثة تلوم الأفراد على سوء إدارتهم لصحتهم الجسمية والعقلية.



الملل أو حالة فقدان الشغف يدل حرفيا "على عدم الاهتمام"، والتي تصفها القرون الوسطى بضجر القلب، وصفت بكثرة لدى رهبان العصور القديمة والفترة المبكرة من العصور الوسطى، حيث كان يعتقد أنها بسبب ضعف روحي، أو استسلام لإغواء الشياطين.



مذكرات القديس يوحنا كاسيان (360-435 م) تصف الإرهاق بأنه حالة من فقدان الشغف التي تصيب الجسد بأعراض مثل: تعب الجسد والشهية للطعام، كما لو كان قد عاد من رحلة طويلة أو صيام.



وقال في مذكراته "بفارغ الصبر يقطع الطريق ذهابا وإيابا، يتألم لأن أحدا من رفاقه لم يزره، يخرج ويدخل زنزانته، يتحدث إلى الشمس طويلا، عقله مشوش ومشلول، ارتباكه يأخذ حيزا من ذهنه يجعله خاملا وغير قادر على ممارسة الطقوس الروحانية، لا يوجد أي عزاء له إلا في زيارة بعض الإخوة، أو في النوم وحده".



يصف كاسيان الأعراض الجسدية الناتجة عن الإرهاق أو الملل بأنها حالة من فقدان الشغف، فيختبر الإنسان الشعور بالضيق مثل ما يختبره الجسد بعد صيام طويل أو عمل شاق.



ويصف الأرق والخمول والنعاس وعددا من الأعراض التي تظهر في جميع نظريات الإجهاد عبر التاريخ، ويعتقد آخرون أن ثمة أسبابا جسدية للإرهاق.



في العصور اليونانية كانت هناك أسباب جسدية يلقى باللوم عليها، في العصر الحديث يعد الإرهاق ناتجا عن مؤثرات وضغوط خارجية تتسبب في إجهاد مزمن، وكذلك عن ضعف الجهاز المناعي بسبب العدوى الفيروسية، أو أشكال مختلفة من اختلال التوازن الحيوي.



مرض الحضارة في القرن الـ19، بحسب اكتشاف الطبيب الأمريكي "جورج بيرد" تشخيص لحالة الإرهاق العصبي وعدها ناتجة عن الحضارة، بسبب خصائص العصر الحديث مثل التواصل الدائم وتطور العلوم والأنشطة العقلية الزائدة.



بما في ذلك التغيرات التقنية والاجتماعية التي استنزفت احتياطيات الطاقة لدى الرجال والنساء على حد سواء، إن البيئة الحديثة، خاصة المدنية منها تعرض الحواس لكثير من المحفزات، مثل الضوضاء والأضواء والسرعة.



يعتقد "بيرد" أن الجهاز العصبي ليس بإمكانه التعامل مع هذا القدر من الفوضى في الإشارات المرسلة للجهاز العصبي، هذه النظرية ليست شيئا جديدا، فالطبيب الأسكتلندي "جورج تشاين" عد الإرهاق حالة مرضية تنتج الخمول والبلادة والكآبة نتيجة النمو المتسارع للثروة والنمط المترف للحياة على عكس الاكتئاب.



ويعتقد "تشاين" أن مستويات معينة من الإرهاق مرتبطة بعوامل خارجية وبشكل أدق عوامل متعلقة بالعمل، في هذا الشكل يكون التقصير الأكبر في الاهتمام بالعمل وإعطائه وقتا وجهدا أكثر مما ينبغي.



في الواقع يمكن اعتبار الإرهاق الناتج عن العمل شكلا اجتماعيا من أشكال الاكتئاب، أو مشكلة مرتبطة بشكل مباشر ببيئة العمل وموقع الفرد فيه.



بتحليل تاريخ الإرهاق، يمكن للمرء أن يجد نظريات عدة تشرح أسباب الإرهاق، لأن النظريات تنظر إليه باعتباره أكثر بساطة.



الاهتمام المستمر بفقدان البشر طاقتهم نابع عن القلق الأبدي للبشر بخصوص موضوعات مثل: الموت، والشيخوخة، ومحاولة وضع نظريات وعلاجات لمسألة الإنهاك تكتيك لمواجهة عجزنا الواعي أمام حقيقة الموت.



بعبارة أخرى، هي استراتيجية للتغلب على مخاوفنا الوجودية، والتي لا تميز إنسان العصر الحديث، بل هي خاصية الإنسان على مر العصور

الأكثر قراءة