أحمد الهلالي

استتابة المشايخ!

الثلاثاء - 17 يناير 2017

Tue - 17 Jan 2017

دخل منشأة ثقافية، سألهم عن دورة تهمه، فأخبروه أنها ربما تعقد قريبا، لكنه تجرأ فطلب أن يعطوه شهادة (مزورة) بالدورة، لأنه يحتاجها في التقديم على أمر (ما)، فرفضوا، عندها انتبه أن في المكان صوت (موسيقا) خفيفة، فانتفض ضميره النائم، فخلع قناع المزور، وارتدى قناع الواعظ، وأخذ ينصحهم بشفقة ويحدثهم عن حرمة الموسيقا، هذا ما حكاه لي أديب سعودي مرموق في جمعية الثقافة والفنون بالطائف قبل أيام.



أمام هذه القصيصة، المتقاطعة مع شبيهات لها كثيرات، يستوقفنا فعل الازدواج الذي تعيشه كثير من الذوات، فتضخيم حرمة (الغناء) روجت له الصحوة بقوة، وتأصل في النفوس أكثر من حرمة الربا والرشوة والتزوير والتدليس والغش والكثير من المحرمات بنصوص صريحة؛ لأن الصحوة وجدت الأغاني حاضرة بقوة في المشهد مع بداياتها، وإقبال الناس عليها يوحي بتعلقهم بها، فكانت (المسبار) لاختبار استجابة الناس وتأثرهم بمواعظ الصحوة، فلا غرابة أن تجد أكبر الفاسدين والمزورين ونصابي العقار والمقامرين والمرتشين وعتاولة الغشاشين وقاطعي الرحم وأكلة المواريث لا يسمعون الغناء!



كل صوت من المشايخ والدعاة والوعاظ حاول مجرد المحاولة الإلماح إلى الخلاف الكبير بين الفقهاء وعدم كفاءة الأدلة على تحريم الغناء قطعيا، أو حاول التعليق عليه بشيء من المرونة، فإن مصيره (النفي) من هالة (الفضيلة)، من (ابن حزم حتى المغامسي)، ولنا في الشيخ (الكلباني) خير مثال، ومثله الشيخ (عايض القرني) الذي تعامل مع الفنان محمد عبده، لكنه يتناقض في إجاباته بين (السماع/‏ والتسمع)، كما رصد الكاتب محمد السحيمي في مقالته (هل يجتمعان.. مطوع وفنان).



أتذكر المقاطع التي كانت تروج بين الناس عن الجموع الغفيرة المحتشدة عند أبواب المساجد للسلام على الشيخ صالح المغامسي قبل وبعد محاضرته، ولا يمكن أن يقترن اسمه بلقب أقل من (صاحب الفضيلة الشيخ)، لكن ما إن ولج (محرقة الموسيقا) وقال بعدم كفاءة الأدلة وأسهب في ذلك عقلا ونقلا، ووضع الأساس الذي يحتج به، حتى نزلت رتبته إلى (واعظ) حاف، وأكثر من ذلك أن أحد الوعاظ لم يذكر اسمه في اعتراضه العاطفي عليه، وترديد سؤال الوصاية المعروف (كيف نسمح ونفتح الباب للناس).



ليختلف المشايخ كما يريدون، ولكن ليت اختلافاتهم لا تتعلق بالعامة، ولا يبالغون في تضخيم حرمة أشياء ليست محرمة قطعيا انتصارا لرؤاهم، حتى تكون حرمتها أشد من المحرمات في القرآن الكريم وصحيح السنة، فقد تعلمنا أن (اختلاف الفقهاء رحمة)، لكن الممارسات اليوم تقول إن الاختلاف (نقمة)، فإن أخذت بفتوى (ابن حزم/‏ القرضاوي/‏ الشعراوي/‏ الطنطاوي/‏ الكلباني/‏ المغامسي) وكل مبيح للموسيقا والغناء المنضبط بالأخلاق قولا وفعلا ومكانا، ولم تتبع فتوى (المحرمين) فأنت (فاسق وضال)، وربما يأتي على الناس زمان (يستتاب فيه المغني والسامع والمجوز).



[email protected]