فارس محمد عمر

صنم اللحظة

الاحد - 15 يناير 2017

Sun - 15 Jan 2017

المكان والزمان في تغير حثيث، معهما المحسوسات والمعاني والأحوال، إجمالا وتفصيلا. طبيعة كل شيء الحركة، ظاهرة وخفية، إلا هذا الصنم وحارسه! مواقف ومناسبات وعقود وديار، يتولى عنها ويهجرها أصحابها إلى غيرها. أمتعة ومقتنيات وعادات، يملها أصحابها وينبذونها ويبدلونها، إلا ذاك الصنم وصاحبه!



الناس خامات وجواهر وبذور، في بناء وتأليف وتربية، يجددون ويتعلمون ويبتكرون، يؤثرون ويتأثرون، لكن هذا الصنم غريب، صاحبه ليس كالناس، منذ ميز الحياة وهو على حال واحدة، بلغ واشتد واستقل وخلف وشاب، بلا غاية ولا مهمة ولا إنجاز ولا عنوان ولا أثر، حياته قائمة بصنم اتخذه ولا يتزحزح عنه. يولد ويموت محتضنا فقاعة هائلة، حقيقتها لحظةٌ لا غير! عاش حياته يتعهد نفثة من جواثيم وأشباح وأوهام مندثرة، لا يرى لحياته وجودا إلا بها، يزن شخصيته بلحظة واحدة جعلها صنما، يظل في سخرته لا يطيق تركه، فهو أهم شيء عنده!



صنم اللحظة تردد وخلل، قلق وشلل، جهل وفشل، لحظة ضئيلة تافهة لا حساب لها يسقط دون عتبتها من فقد صوابه وعاش جامدا لا يطيق اجتيازها! صنم لحظة واحدة يصد صاحبه عن أحرف «آسف»، يمنعه عن قول «مخطئ أنا». لحظة هينة تلجمه عن لفظة «أحبك»، تعقد لسانه عن «شكرا» وعن «أبشر»، تعميه عن الحقيقة! المتشبث بأستار صنم اللحظة الواحدة، العاجز عن تخطيها إلى لحظة أخرى هي مقدار زمن كلمة راقية ساحرة وابتسامة رائعة وإقرار للحق وتقدير للواقع، إنما يحرم نفسه مساحات وأزمانا وآفاقا من الخير والسعادة والإنسانية. يا لهوانه وفقره وذل شخصه لصنم تافه، ويا لمعاناة من حوله!