حنان المرحبي

العولمة لا تروق لترامب

الاحد - 15 يناير 2017

Sun - 15 Jan 2017

تحتم العولمة على مشاريع اليوم تبني نظرة دولية في صياغة استراتيجياتها وتشغيل أعمالها. فلم تعد الصناعات الصينية منحصرة في ماركاتها المنتشرة بالأسواق العالمية، ولكن أخذت تتجه مؤخرا إلى الانتقال برؤوس أموالها وفروعها في بلدان أخرى تكون أقل نموا (صناعيا) كي تستفيد من مزايا التكلفة المنخفضة فيها أو أكثر تقدما (علميا) لتستقطب العقول وتوطن الابتكار أو واعدة (سوقيا) لتفتح مراكزها البيعية فيها فتعمل بالقرب من زبائنها.



والصين كما نعلم بلد المليار نسمة، ولكن لماذا تتجه مشاريعها إلى الخارج وهي تملك سوقا ضخما (عدد هائل من المستهلكين الذين تنمو دخولهم سنويا) تتنافس عليه الماركات العالمية الأخرى. العلامة الصينية وصلت إلى القوة الدولية التي جعلت جاك ما، رئيس مجلس إدارة الموقع الالكتروني الأول للتسوق بالصين Alibaba في يونيو 2015 يوجه رسالة لنظرائه الأمريكيين (من بينهم الأمازون) بأنهم قادمون لأمريكا، لا لينافسوهم.



حينما تترك الصناعة تحدد سبيلها للقيادة والانتشار فالخيار الدولي سيكون أحد أهم ركائزها التنافسية لأسباب عديدة من أهمها استقطاب العمالة عالية المهارة وتخفيض التكاليف. ولكن أمريكا التي قادت دفة هذه التحولات العالمية عقودا من الزمن اليوم تختنق. يقول Ghemawat Pankaj إن نجاح حملة ترامب جعلتنا نرى حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (Brexit) كالشهقة (hiccup). أيضا، يقول Farage Nigel قائد حزب الاستقلال البريطاني أن قضية ترامب تساوي Brexit مضروب في ثلاث. ناقشت قضية Brexit في مقال سابق بعنوان: بريطانيا تعانق المجهول.



من الملاحظ أن ترامب لديه توجه مضاد للعولمة (Globalization) ورؤيته تتمحور في وضع قيود أكبر على المشاريع المحلية وعزل أمريكا عن العالم. ومن المعلوم أن عظمة أمريكا التي برزت في العديد من الأصعدة كانت قائمة على شيئين مهمين: تفوق الصناعة الأمريكية وانتشارها دوليا، وثانيا: سياسات الهجرة الهادفة إلى سد عجز البلد من العقول والمواهب المتفوقة لتحريك البحث العلمي ودفع الصناعة الوطنية.



ولكن جل ما يريده ترامب هو خلق الوظائف للأمريكيين، هذا ما يمكن إدراكه من تصريحاته وتغريداته. ولأجل تحقيق رؤيته يحاول أن يضعف قدرة المشاريع المحلية على سد احتياجها من المواهب الدولية (بتعقيد سياسات الهجرة)، ويحاول منعها من ترحيل رؤوس أموالها وفتح فروعها بالبلدان الأخرى، يتوعدها برفع الضرائب والرسوم الجمركية على وارداتها إذا لم تستجب، ويحفزها برفع الرسوم الجمركية على واردات الصين والمكسيك اعتقادا منه بأن ذلك سيعيد للمشاريع المحلية القوة التنافسية على الرغم من أن العديد من مشاريع أمريكا تحقق معدلات ربحية عالية من أسواق ناشئة أخرى، أو لارتباطها بسلاسل قيمة مهمة في دول صناعية أخرى.



وإضافة إلى ما سبق، يضع ترامب مشاريع أمريكا سواء المحلية أو الفروع الأجنبية التي تعمل فيها أمام تحديات سياسية حرجة. خطابات ترامب غير الموزونة من المتوقع أن تكون لها تبعات سلبية من حكومات الدول الأخرى كالحكومة الصينية والتي قد تتخذ هي الأخرى مواقف نظامية ليست في صالح الصناعة الأمريكية وفروعها بالصين.



دخل ترامب السياسة وهو يحمل خبرة سياسية تساوي الصفر. لهذا فإن طبيعة الحلول التي يلجأ إليها مبنية على فرض القيود النظامية وكثرة التوجيهات، ولأنه جديد بالسياسة، بدا حاله كحال الوالدين الجديدين وهما يرعيان طفلهما الأول بخوف وحماية فائقة تدفعهما لوضع رقابة ونظام وتوجيهات صارمة، فهما فقط الأعلم بالمصلحة.



[email protected]