لماذا يُمنح المماطلون قضاء مجانيا؟

الخميس - 12 يناير 2017

Thu - 12 Jan 2017

تعاني المحاكم من كثرة القضايا وازدحام المواعيد، وتشير الأرقام الرسمية إلى تزايد نسبة القضايا عاما بعد عام، وساهم ذلك في تأخر الفصل في الدعاوى وتعطيل مصالح المتقاضين، مما دفع المهتمين الناصحين إلى البحث عن حلول عملية لتسريع إنهاء القضايا، منها ما طبق فعلاً، ومنها ما لا يزال تحت الدراسة.



والقضايا المعروضة على المحاكم يمكن تصنيفها إلى قسمين : قضايا، النزاع فيها حقيقي، والحق فيها غير ظاهر أو يحتاج فيها إلى فرز وفصل قضائي، والقسم الآخر قضايا، النزاع فيها غير حقيقي كالقضايا الصورية أو الكيدية، أو القضايا التي نشأت بغرض المماطلة أو بسبب المماطلة، والحق فيها ظاهر وقطعي.



ولا شك في وجود نسبة مهمة من قضايا القسم الثاني، ولذا فإن محاصرة هذه القضايا يساهم في تخفيف الضغط على المحاكم ويسرّع الإنجاز، وفي سبيل ذلك قررت المادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية أن للمحكمة تعزير من يثبت عليه أنه قدم دعوى صورية أو كيدية أو تواطأ في ذلك، إلا أن تطبيق هذا الجزاء واقعياً نادر، وذلك لعدة أسباب، ولذا فإن أثره ضعيف جدا في ردع المخالفين.



ومن المقترحات التي تساهم في تقليل القضايا غير الحقيقية وخاصة التي ترفع للمماطلة أو تنشأ بسبب المماطلة والحق فيها ظاهر: إلزام المماطل سواء كان مدعياً أو مدعى عليه بدفع تكاليف القضية لصندوق ينشأ لتطوير الأعمال القضائية تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء.



وتحدد تكاليف القضية بدراسة وافية من المختصين، يراعى فيها تكلفة وقت القاضي وأعوانه والكتاب، وتكلفة المكان والتجهيزات وغيرها، وتحسب التكلفة على أساس الجلسة بحيث ترتفع التكلفة بعدد الجلسات التي تعقد للقضية، أو على أي أساس آخر لكن بحيث تكون التكلفة ثابتة لا تتغير بتغير القضايا وأنواعها وحجمها، وبحيث لا يحتاج الحكم بالتكاليف لاجتهاد من القاضي لتحديدها، لئلا يزيد العبء على القاضي، على أن يلزم القاضي بالحكم بهذه التكاليف على المماطل في ذات الدعوى حتى لا يحتاج الأمر إلى رفع دعوى مستقلة تزيد بها القضايا والتكاليف.



والاقتراح أن تودع هذه المبالغ في حساب تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء يصرف منه على تطوير الأعمال القضائية وبالذات تدريب القضاة والملازمين وأعوانهم.

وقد يتساءل البعض عن معيار تحديد المماطل، فيمكن أن يقال: هو كل من أقام دعوى لتعطيل حصول المستحق على حقه، أو كل مدعى عليه ماطل في دفع الحق الذي عليه مما ألجأ خصمه لإقامة دعوى للحصول على حقه، مثل : تقديم دعوى موضوعية لتعطيل تنفيذ شيك، ومثل إقامة دعوى لتعطيل قسمة تركة، ومثل المستأجر أو المقترض إذا ماطل في دفع قسط الإيجار أو القرض ولجأ خصمه للمحكمة، والمعيار الكلي هو: المليء الذي ماطل في دفع حق ثابت عليه، وأقام أو أقيمت عليه دعوى بسبب ذلك، وثبوت الحق وظهوره يرجع فيه للمعيار المطبق فعليا في إلزام الخصم بدفع تكلفة المحاماة لخصمه المحكوم له.



كما أنه قد يستفاد من دراسة تحديد تكلفة كل جلسة قضائية بإلزام كل من تخلف عن حضور جلسة بدون عذر بدفع تكلفتها.



إن تحميل المماطل لتكلفة القضية والحكم عليه بها مع الحكم الأصلي في القضية يجعل المماطلين يحسبون حساب هذه الكلفة، ولا يكون اللجوء للقضاء وسيلة سهلة ومجانية لتعطيل حقوق الناس، وبالتالي تقل أعداد القضايا التي الحق فيها ظاهر وقطعي.



وغني عن البيان أن هذه التكلفة لا تعد من قبيل الرسوم أو الضرائب، ذلك أنها إنما تفرض على المماطل وهو ظالم لخصمه بمماطلته، وظالم أيضاً لبيت المال لإشغاله لوقت وإمكانات القضاء في الباطل الذي يسعى إليه، ولذا فتحمليه لكلفة القضية هو من قبيل التعويض لبيت المال عن الضرر الذي تسبب فيه، وهو نظير تحميل المماطل لتكاليف أتعاب المحاماة التي تكلفها خصمه، بسبب إلجاء خصمه له للقضاء، فإذا ساغ ذلك في الحق الخاص فكذلك في الحق العام.

وواقع التحكيم يشهد بأن تكاليف المقاضاة تكون في كثير من الأحيان رادعاً عن استغلاله في المماطلة، ولذا لا يلجأ إليه إلا في النزاعات الحقيقية التي تحتاج فعلا إلى حكم وفصل قضائي.