العدوانية باقية وتتمدد

الأربعاء - 11 يناير 2017

Wed - 11 Jan 2017

عند كل حادثة عنف تقع يناقش الجميع فظاعة السلوك وكيف تنزل بالجانحين عن النظام العقوبات الرادعة. ورغم أن الأنظمة تصدر العقوبات والكثير يستنكر هذا التصرف، إلا أن السلوك العنيف يزداد ويأخذ أشكالا متعددة، ابتداء بالتنمر حتى يصل لاستخدام العنف الجسدي. وليست هذه ظاهرة جديدة على المجتمعات البشرية، فالعنف والعدوانية هي أول وأشد الأخطار على حياة الإنسان. ويصعب القضاء على العنف، لكن يمكن التحكم بمسبباته والوقاية منه.



العنف سلوك تشترك أسباب متعددة في ازدياد أشكاله، اجتماعية ونفسية وسياسية وقانونية. ولعل المشهد العربي منذ النكبة الفلسطينية وحتى سقوط بغداد ألقى بظلال محبطة على الذات العربية العامة، فخلف حالة من اليأس والتمرد أفرزت شخصيات محتقنة تتصف بالحدة والعنف الذي ينتظر المحرك والشرارة لتفريغه أو إيجاد مبرر لارتكابه.



طبيعة المجتمعات البدوية منذ الأزل متسمة بالغلظة والشدة واستمرت النمطية حتى هذا القرن، ولكنها اصطدمت بشرائح اجتماعية جديدة كانت تمثل القلة فيما مضى، منظمة ومثقفة وواعية، وترفض أن تقبل أشكال العنف مهما كانت مبرراتها، وترغب في تغييرها وتؤمن بإمكانية ضبطها وتلطيف حدتها، وهو ما يفسر صدمة الكثيرين من تصرف طالب ثانوية تثليث الذي أراد تصفية حساباته مع خصومه باستخدام السلاح داخل المدرسة، وهي ليست الحادثة الأولى هناك.



يسهل الحديث عن العقوبات والتشديد في تطبيقها، ولكن الحديث عن الإجراء الوقائي من العنف الاجتماعي والنفسي يأخذ مسارا حذرا، فالحديث عن الحماية الاستباقية منه يعني مناقشة المنهج التعليمي وتأثيره المحدود جدا في الحد من العدائية لدى الأجيال الناشئة، وطريقة إعادة تأهيل الحالات العنيفة داخل المؤسسة التعليمية بمنهجية مدروسة.



هل قررنا بجدية تفعيل المناهج الخاملة في التعليم، والتي تدرس للطلبة بشكل هامشي وبدون إدراك للقيمة المبهرة لها؟



إن الوجود الشكلي لمنهجي التربية الفنية والتربية البدنية لا يخدم إلا من يملك ملكة طبيعية فارقة، وهذا يعتبر هدرا للوقت والمال المبذول عليهما بالرغم من الفوائد المثبتة علميا لميكانيكية عملهما على عقل ونفسية الإنسان، وعملهما كأساس للدعم السلوكي والاجتماعي المتكامل مع أي منهج تعليمي.



المنهجان الفني والبدني هما تربية شمولية من حيث اهتمامها بالنواحي الفعلية والوجدانية والثقافية والتربوية لدى الإنسان، فهي تسعى إلى تعديل السلوك وبناء الشخصية وتكاملها واتزانها، إلى جانب تطوير الخبرات، وتوسيع المدركات العقلية والخيالية والحسية بطريقة فريدة لا يمكن لمواد تعليمية أخرى أن تجسدها، وتكسبهم خبرات ومهارات تخدمهم في حياتهم العلمية. وهذا المفهوم يؤكد عدم حصر دورها ووظيفتها في الممارسات العملية والمهارات الجسدية فقط. ومع الأسف الشديد لا يزال المنهج الرياضي النسائي معطلا لأسباب غير مقنعة وحقيقية.



هذا ليس كل ما نحتاجه. نحن في حاجة لاستحداث المناهج العلاجية المعرفية السلوكية القائمة على مبدأ البحث عن الأجوبة والأفكار الجديدة، واستنطاق الأسئلة الكبرى في مناهج تعصف بالعقول الشابة، وتضعها على الطريق لفك الإشكالات العميقة داخل النفس الإنسانية والعالم حولها لضمان الجريان الطبيعي لدورة الفكر الثقافي الإنساني، وهو حجر الأساس لبناء التغييرات البناءة في المجتمعات الإنسانية.

وأخيرا بقي لدينا مشكلة اجتماعية تتضخم في هدوء ولا نرى إلا أطرافها تحيط بنا «العنصرية والتكتل القبلي»، متى سنبدأ في مناقشتها جديا؟