مستقبل الصين هو القضية الأكثر جدالا في الشؤون الدولية في هذه المرحلة.
فبعد أن تمتعت بمستويات غير مسبوقة من النمو والازدهار الاقتصادي، وصلت الصين إلى نقطة تقاطع حاسمة في تطور اقتصادها، ومجتمعها، وشكل الحكم فيها، وأمنها القومي، وفي علاقاتها الدولية.
الاتجاه الذي ستمضي إليه الصين في نقطة التحول هذه سيقرر فيما إذا كانت ستتوقف عن التطور أو أنها ستستمر في النمو والازدهار.
هل ستنجح الصين في تطبيق موجة جديدة من الإصلاحات التحويلية الحاسمة التي قد تستمر عقودا من الزمن وتحول الصين إلى القوة العظمى الرائدة في العالم؟ أم إن قادتها سوف يجبنون عن تطبيق التغيرات القاسية المطلوبة، لأن سلطة النظام الشيوعي معرضة للخطر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيؤدي إلى ركود طويل المدى أو حتى إلى انهيار النظام الحالي؟ هل يمكن أن تمضي الصين في مسار أكثر ليبرالية أو ربما مسار ديمقراطي؟ أم إن الصين ستخرج من هذه المرحلة الصعبة كدولة عظمى تتمتع بنظام استبدادي أكثر قسوة وعدوانية؟
دافيد شامباو خبير عالمي معروف في الشؤون الصينية، ناقش كل تلك التساؤلات في كتابه مستقبل الصين» والصادر عن دار بوليتي، 2016 هذا الكتاب الجديد الغني بالمعلومات، يأتي بعد كتابيه «الحزب الشيوعي الصيني» (2008) و «الصين تتجه إلى العالمية» (2013)، بالإضافة إلى مقال رأي هام بعنوان «التصدع الصيني القادم»، والذي نشر في صحيفة (وول ستريت جورنال) في 2015 وأثار الكثير من النقاش والجدل. الفكرة الرئيسة التي يريد شامباو طرحها في كتابه الجديد من السهل تلخيصها: ما لم يقم الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني (شي جين بينج) بإصلاحات كبيرة، فإن الاقتصاد سوف يتباطأ وسوف ينهار الحزب على الأرجح خلال العقد القادم تقريبا.
البروفيسور شامباو بالتأكيد ليس أول مراقب وباحث يتوقع زوال الحزب الشيوعي الصيني، بل هناك كثيرون توقعوا ذلك من قبل.
بعد المظاهرات التي اجتاحت بكين ومذبحة تيانانمن الشهيرة في 1989، أكد السفير الأمريكي إلى الصين وينستون لورد أن الحزب الشيوعي سيخرج من السلطة خلال أسابيع إن لم يكن أيام.
لكن ذلك لم يحدث. وبعد نحو 12 سنة، توقع المفكر الأمريكي من أصل صينيي جوردون تشانج في كتابه «انهيار الصين القادم» نهاية الحزب الشيوعي بحلول عام 2011.
لكن توقعاته أيضا ذهبت أدراج الرياح. لكن توقعات البروفيسور شامباو تتميز بكونها صادرة عن خبير مخضرم سبق له أن أكد أن الحزب الشيوعي تعلم دروسا هامة من «الانقراض اللينيني» في الفترة 1989-1991.
يقدم الكتاب لمحات قصيرة ومركزة على توجهات رئيسة –من نمو الإنفاق الاستهلاكي إلى التوسع السريع للمدن في الصين- والتي حولت بلدا كان يتشكل من قرى صغيرة إلى بلد ضخم إلى درجة غير عادية.
ويقارن الكاتب بين «القوة الناعمة» للصين في تعاملاتها الخارجية و»القوة الخشنة التي تنمو يوما بعد يوم» في داخل الصين، وهو ما كان واضحا في الاستعراضات العسكرية الضخمة التي أقامتها الصين في ساحة تيانانمن في 2009 و2015.
كما يسلط البروفيسور شامباو الضوء على الاستخدام الغريب لعبارة «سلطة القانون» عند الرئيس (شي جين بينج)، والذي يحول النظام القانوني إلى أداة في يد الحزب والدولة لفرض إرادته وسلطته.
يشبه البروفيسور شامباو الرئيس الصيني (شي جين بينج) بالسائق الذي يقترب من طريق دائري، ولديه خيارات متعددة.
فهل سيستمر على نفس الطريق الاستبدادي القاسي؟ أم إنه سيتحول إلى اتجاه استبدادي ناعم بحيث يرخي أدوات التحكم قليلا كما حدث في أوقات سابقة في ثمانينيات القرن العشرين وفي الفترة ما بين 1992-2007؟ أم إنه سيأخذ طريقا شموليا جديدا يعيد الصين إلى ما كانت عليه في فترة حكم الزعيم الصيني ماو تسي تونج (1949-1976)؟ أم إنه سيسلك المسار «شبه الديمقراطي» ويحرك الصين لتصبح نموذجا ضخما من سنغافورة، مع نظام انتخابي يميل لتفضيل حزب واحد ومحيط عام لا يشبه المحيط الموجود في الدول الاستبدادية أو الدول الديمقراطية؟ البروفيسور شامباو يعتقد أن الرئيس الصيني (شي جين بينج) لن يقود على الأرجح بلاده نحو الديمقراطية.
يقول البروفيسور شامباو إن مسار «الاستبداد الناعم» أو المسار «شبه الديمقراطي» ربما يخدم مصلحة الحزب ومصلحة الشعب الصيني، لكنه لا يعتقد أن الرئيس الصيني يلاحظ ذلك، ولذلك فهو يرجح أن يستمر الرئيس (شي جين بينج) في مسار «الاستبداد القاسي» لاعتقاده أن ذلك سيضمن الاستقرار في البلد.
لكن المشكلة في رأي الكاتب هي أن الصين خرجت من مرحلة التطور التي كان النمو السريع يأتي خلالها من صنع بضائع رخيصة الثمن في مصانع كبيرة يعمل فيها عدد كبير من العمال المستعدين لقبول أجور منخفضة، وأنها دخلت ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد «فخ الدخل المتوسط» الذي لا يمكن النجاة منه إلا من خلال الاعتماد بشكل أكبر على ابتكار منتجات جديدة وأخذ زمام المبادرة في صناعات تعتمد على العقل أكثر من العضلات.
ويؤكد الكاتب أن تجارب الدول الأخرى تظهر أن الأنظمة الأكثر قدرة على التعامل مع هذا «الفخ» هي الأنظمة الديمقراطية أو الأنظمة الشمولية التي تحكمها قيادات ليبرالية مستعدة لنشر المعلومات بشكل أكثر حرية من (شي جين بينج). لذلك فإن انتفاضة وأزمة تنتظر الصين، وليس الاستقرار.
دافيد شامباو
أستاذ في العلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير برنامج السياسة الصينية في جامعة جورج واشنطن، وهو زميل غير مقيم في برنامج دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينجز في واشنطن.
له أكثر من 30 كتابا في العلوم السياسية، وهو مختص في الشؤون الصينية.
فبعد أن تمتعت بمستويات غير مسبوقة من النمو والازدهار الاقتصادي، وصلت الصين إلى نقطة تقاطع حاسمة في تطور اقتصادها، ومجتمعها، وشكل الحكم فيها، وأمنها القومي، وفي علاقاتها الدولية.
الاتجاه الذي ستمضي إليه الصين في نقطة التحول هذه سيقرر فيما إذا كانت ستتوقف عن التطور أو أنها ستستمر في النمو والازدهار.
هل ستنجح الصين في تطبيق موجة جديدة من الإصلاحات التحويلية الحاسمة التي قد تستمر عقودا من الزمن وتحول الصين إلى القوة العظمى الرائدة في العالم؟ أم إن قادتها سوف يجبنون عن تطبيق التغيرات القاسية المطلوبة، لأن سلطة النظام الشيوعي معرضة للخطر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيؤدي إلى ركود طويل المدى أو حتى إلى انهيار النظام الحالي؟ هل يمكن أن تمضي الصين في مسار أكثر ليبرالية أو ربما مسار ديمقراطي؟ أم إن الصين ستخرج من هذه المرحلة الصعبة كدولة عظمى تتمتع بنظام استبدادي أكثر قسوة وعدوانية؟
دافيد شامباو خبير عالمي معروف في الشؤون الصينية، ناقش كل تلك التساؤلات في كتابه مستقبل الصين» والصادر عن دار بوليتي، 2016 هذا الكتاب الجديد الغني بالمعلومات، يأتي بعد كتابيه «الحزب الشيوعي الصيني» (2008) و «الصين تتجه إلى العالمية» (2013)، بالإضافة إلى مقال رأي هام بعنوان «التصدع الصيني القادم»، والذي نشر في صحيفة (وول ستريت جورنال) في 2015 وأثار الكثير من النقاش والجدل. الفكرة الرئيسة التي يريد شامباو طرحها في كتابه الجديد من السهل تلخيصها: ما لم يقم الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني (شي جين بينج) بإصلاحات كبيرة، فإن الاقتصاد سوف يتباطأ وسوف ينهار الحزب على الأرجح خلال العقد القادم تقريبا.
البروفيسور شامباو بالتأكيد ليس أول مراقب وباحث يتوقع زوال الحزب الشيوعي الصيني، بل هناك كثيرون توقعوا ذلك من قبل.
بعد المظاهرات التي اجتاحت بكين ومذبحة تيانانمن الشهيرة في 1989، أكد السفير الأمريكي إلى الصين وينستون لورد أن الحزب الشيوعي سيخرج من السلطة خلال أسابيع إن لم يكن أيام.
لكن ذلك لم يحدث. وبعد نحو 12 سنة، توقع المفكر الأمريكي من أصل صينيي جوردون تشانج في كتابه «انهيار الصين القادم» نهاية الحزب الشيوعي بحلول عام 2011.
لكن توقعاته أيضا ذهبت أدراج الرياح. لكن توقعات البروفيسور شامباو تتميز بكونها صادرة عن خبير مخضرم سبق له أن أكد أن الحزب الشيوعي تعلم دروسا هامة من «الانقراض اللينيني» في الفترة 1989-1991.
يقدم الكتاب لمحات قصيرة ومركزة على توجهات رئيسة –من نمو الإنفاق الاستهلاكي إلى التوسع السريع للمدن في الصين- والتي حولت بلدا كان يتشكل من قرى صغيرة إلى بلد ضخم إلى درجة غير عادية.
ويقارن الكاتب بين «القوة الناعمة» للصين في تعاملاتها الخارجية و»القوة الخشنة التي تنمو يوما بعد يوم» في داخل الصين، وهو ما كان واضحا في الاستعراضات العسكرية الضخمة التي أقامتها الصين في ساحة تيانانمن في 2009 و2015.
كما يسلط البروفيسور شامباو الضوء على الاستخدام الغريب لعبارة «سلطة القانون» عند الرئيس (شي جين بينج)، والذي يحول النظام القانوني إلى أداة في يد الحزب والدولة لفرض إرادته وسلطته.
يشبه البروفيسور شامباو الرئيس الصيني (شي جين بينج) بالسائق الذي يقترب من طريق دائري، ولديه خيارات متعددة.
فهل سيستمر على نفس الطريق الاستبدادي القاسي؟ أم إنه سيتحول إلى اتجاه استبدادي ناعم بحيث يرخي أدوات التحكم قليلا كما حدث في أوقات سابقة في ثمانينيات القرن العشرين وفي الفترة ما بين 1992-2007؟ أم إنه سيأخذ طريقا شموليا جديدا يعيد الصين إلى ما كانت عليه في فترة حكم الزعيم الصيني ماو تسي تونج (1949-1976)؟ أم إنه سيسلك المسار «شبه الديمقراطي» ويحرك الصين لتصبح نموذجا ضخما من سنغافورة، مع نظام انتخابي يميل لتفضيل حزب واحد ومحيط عام لا يشبه المحيط الموجود في الدول الاستبدادية أو الدول الديمقراطية؟ البروفيسور شامباو يعتقد أن الرئيس الصيني (شي جين بينج) لن يقود على الأرجح بلاده نحو الديمقراطية.
يقول البروفيسور شامباو إن مسار «الاستبداد الناعم» أو المسار «شبه الديمقراطي» ربما يخدم مصلحة الحزب ومصلحة الشعب الصيني، لكنه لا يعتقد أن الرئيس الصيني يلاحظ ذلك، ولذلك فهو يرجح أن يستمر الرئيس (شي جين بينج) في مسار «الاستبداد القاسي» لاعتقاده أن ذلك سيضمن الاستقرار في البلد.
لكن المشكلة في رأي الكاتب هي أن الصين خرجت من مرحلة التطور التي كان النمو السريع يأتي خلالها من صنع بضائع رخيصة الثمن في مصانع كبيرة يعمل فيها عدد كبير من العمال المستعدين لقبول أجور منخفضة، وأنها دخلت ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد «فخ الدخل المتوسط» الذي لا يمكن النجاة منه إلا من خلال الاعتماد بشكل أكبر على ابتكار منتجات جديدة وأخذ زمام المبادرة في صناعات تعتمد على العقل أكثر من العضلات.
ويؤكد الكاتب أن تجارب الدول الأخرى تظهر أن الأنظمة الأكثر قدرة على التعامل مع هذا «الفخ» هي الأنظمة الديمقراطية أو الأنظمة الشمولية التي تحكمها قيادات ليبرالية مستعدة لنشر المعلومات بشكل أكثر حرية من (شي جين بينج). لذلك فإن انتفاضة وأزمة تنتظر الصين، وليس الاستقرار.
دافيد شامباو
أستاذ في العلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير برنامج السياسة الصينية في جامعة جورج واشنطن، وهو زميل غير مقيم في برنامج دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينجز في واشنطن.
له أكثر من 30 كتابا في العلوم السياسية، وهو مختص في الشؤون الصينية.