عبدالعزيز الخضر

حول نوعية التهديد الإرهابي لتركيا

السبت - 07 يناير 2017

Sat - 07 Jan 2017

منذ الساعات الأولى لبداية هذا العام، وبمعدل شبه يومي تواجه تركيا موجة ضخمة من العمليات الإرهابية المتفرقة، كان آخرها قبل يومين أمام محكمة في أزمير غربي تركيا، والذي كاد أن يتحول إلى عملية كبيرة، ويبدو أن وراءها حزب العمال الكردستاني، وفقا لتصريح وزير العدل التركي. تعرضت تركيا في عام 2016 إلى أكثر من 15 عملية إرهابية، ويعتبر حدث بداية العام الجديد أحد أكثر الأحداث الإرهابية مأساوية، وإثارة للشكوك في نوعيته وأسبابه خاصة مع فرار منفذ المجزرة. تبدو المشكلة في تركيا اليوم التي لم تتعاف تماما من أثر المحاولة الانقلابية، أنه يصعب التمييز أحيانا بين أنواع الحوادث الإرهابية والجهات التي خلفها، وتثير أسئلة عن أسباب الخلل، هل هو نتيجة الدور التركي في سوريا أم هو إشكال في الإدارة الأمنية التي تعرضت لاهتزاز مع التسريحات بعد المحاولة الانقلابية أم هو نتيجة احتقان داخلي نتيجة عدم الرضا عن سياسة إردوغان.



هناك حديث إعلامي مكرر عن ارتداد السياسة الخارجية التركية عليها خاصة في الشأن السوري، والواقع أنه توجد إخفاقات متعددة، وفشل في التأثير على مسار الأحداث منذ أن أصبح الوجود الإيراني والروسي هو المؤثر الأول في عمق الحالة السورية، وعدم وجود مساندة دولية مقابلة لدعم الثورة السورية فإنه عمليا يصعب على تركيا أن تؤثر بمفردها، وباستثناء الجانب الإنساني واستقبال اللاجئين التي يحسب لها من الصعب مطالبتها بما يفوق القدرات التركية في حدود التدخل، حيث الخيارات محدودة. وجزء مما تواجه اليوم نتيجة عدة سياسات غير مرضي عنها غربيا بالإضافة إلى إيران وروسيا، وجماعات عنف توظف وتعمل لمصالح خصوم تركيا. بعد أحداث الأيام الماضية يصرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم بأن الولايات المتحدة وباقي دول العالم تركت بلاده تكافح وحدها ضد الإرهاب.



يمكن لوم السياسة التركية في كثير من التفاصيل المبعثرة في مسار الأحداث منذ انطلاقة الثورة السورية ومواقفها الكلامية من بعض أحداث الربيع العربي، لكن التحدي الأكثر صعوبة الذي تواجهه تركيا لا يزال داخليا، ومهما تعددت الحوادث الإرهابية فإن خطورة بعضها له أفق محدود مهما طال زمن المواجهة خاصة تلك التي لها جذور تاريخية كالنزاع مع حزب العمال الكردستاني والذي خلف أكثر من أربعين ألف قتيل منذ منتصف الثمانينات، وأهم ما يميز عمليات الإرهاب لهذا الحزب أنها موجهة لمقرات أمنية كهدف رئيس، مما يجعله صراعا محصورا في أماكن معينة، وعندما تتحول هذه العمليات إلى أماكن أكثر حساسية كالمنشآت السياحية بهدف التأثير على الاقتصاد التركي فإنه سيكون أكثر إرباكا في هذه المرحلة.



أما الهجمات المحسوبة على تنظيم داعش فمهما بلغت من التأثير فإن أفقها السياسي سيظل محدودا في التأثير، وبالرغم من وجود بضع آلاف من المنتمين لهذا التنظيم نتيجة تساهل السياسة التركية في بعض مراحل تطورات الثورة السورية، حيث كان يوجد تجنيد تعرف عنه الجهات الأمنية لكن التغاضي كان بسبب وجود قتال بين داعش والأكراد، وأرادت أن تستفيد منه. ولهذا فخطورة داعش ستكون موقتة.. ويبقى السؤال كم ستكون كلفة فاتورة عملياتها على الاقتصاد التركي خاصة إذا كانت موجهة للسياح والسياحة، فهذا النوع من الإرهاب هو الأكثر خطورة عندما يمس موردا مهما من موارد الاقتصاد.

ولا يفرق البعض بين نوعية الأهداف الإرهابية وتوقيتها ودرجة خطورتها، فعندما اغتيل السفير الروسي كتبت بتويتر بعد دقائق بأنه «توقيت أخلاقي مربك للعالم. ليس من مصلحة روسيا التصعيد.. وهي ملطخة بكل هذا التدمير والقتل ودماء لم تجف.. «، وخلال الساعات الأولى من الحدث توهم كثيرون بأنه سيكون هناك تصعيد روسي واستحضروا أجواء حرب عالمية ثالثة، وهذا نتيجة عدم إدراك طبيعة العالم اليوم، وأنه يصعب قياسه على أزمنة اختلفت معطياتها، ولأن الحدث جاء بعد زمن قصير من ارتكاب روسيا مع إيران وبشار جرائمهم في حلب وغيرها، فإن الاغتيال مهما استنكر لأسباب كثيرة إلا أنه يفهم كردة فعل مما حدث، ولأن روسيا ارتكبت ما يكفي من الأخطاء فليس لديها مساحة للتصعيد أكثر مما فعلته بسوريا. لكن لو أن هذا الاغتيال حدث في أجواء عادية فإن ردة الفعل الروسية والدولية ستكون مختلفة.



إن أكبر تحد يواجه تركيا اليوم هو السياسة الداخلية التي ما زالت بحاجة إلى معالجات أكثر اعتدالا وتصالحا، وبمجرد أن يصرح وزير العدل التركي بأن «مدح الإرهاب والعمليات الإرهابية ودعم الإرهابيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعد جريمة يعاقب عليها القانون التركي»، وأن النيابات العامة في البلاد يمكنها فتح دعاوى قضائية بحق الأشخاص الذين تتوفر الأدلة اللازمة التي تثبت قيامهم «بدعم الإرهاب، ولو الكترونيا» مثل هذا التصريح بعد حادث بداية العام يوحي بوجود أصوات تركية داخلية تؤذي السلطة.. لها رأي آخر التحاور معها أفضل من مطاردتها.



[email protected]