هبة قاضي

حصد الأرواح في مطعم رينا

دبس الرمان
دبس الرمان

الثلاثاء - 03 يناير 2017

Tue - 03 Jan 2017

ما زالت في الحلوق غصة، نأمل مع الوقت أن تزول. ولكن ماذا عن ذلك الخوف الذي نبت في القلوب؟ أتراه الوقت يقدر عليه؟ فأما الغصة فما زالت تقف في حلوقنا مذ سمعنا ما حصل لأصدقائنا وبني مدينتنا ووطننا في اعتداء ليلة رأس السنة الجديدة في مطعم رينا في إسطنبول، ففاجعتنا لا توصف في الموتى عليهم رحمة الله.



وتعاطفنا مع من نجا من ذلك الرعب والترويع الذي عاشه ولرؤيته لأصدقائه وأحبابه يصرعون أمامه. وأما الخوف الذي نبت، فقد زرعته ردود الفعل الصادمة، وتلك التعليقات القاسية التي كشفت عن ذلك العمق الجاهلي القبيح الذي ما زال للأسف مستوطنا عقولا حسبنا أن دين الرحمة وقيم الإنسانية ارتقا بها ومحاه، لتأتي مثل هذه المواقف لتكشف الواقع المؤلم.



كتبت الأخبار على قنواتها بالخط العريض (ملهى ليلي)، ثم ظهرت مجموعة كبيرة من الناس وقالوا إنه ليس ملهى بل هو مطعم مشهور ومعروف بإطلالته الجميلة وعشائه الفاخر. ثم ظهرت آراء أخرى قالت بأنه مطعم كبير وجزء منه ملهى وأنهم كانوا يجلسون في جزئية المطعم.



أخط هذه الكلمات وأشعر بالخجل والعار والغضب. أشعر بالخجل من عقول متحجرة، سبق منطق الحكم والتأله فيها، منطق الذود عن العدل وإدانة سفك الروح لأنه فقط لم يحصل لمعارفهم وأصدقائهم وأحبابهم. أشعر بالعار من فكر سادي، إقصائي، يعمد إلى تصنيف الناس والمسارعة إلى ربط مصائرهم بمنطق العقاب والعاقبة، متغاضين عن ذنوبهم ومحللين لأنفسهم ما يتهمون الناس به فقط لأنه لم يكشفوا بعد. ولكن الغضب الحقيقي هو بسبب تلك الألسنة الجارحة، التي لاكت الأعراض والسمعة، وسفكت بجبروتها دماء حراما، حرمتها من حرمة أصحابها الأموات الذين لا تجوز عليهم إلا الرحمة، تلك الألسنة التي لم تراع عائلات الضحايا وأحبابهم، فزادت عليهم مصابهم، وأشعلت في قلوبهم نارا على نارهم.



فيا من لا تشعر بالتعاطف مع ما حصل، ولا تشعر بالظلم الذي وقع عليهم، ويا من سارعت لإرسال رسائل للناجين تلعنهم وتتشمت فيهم، ويا من تكتب بكل فخر وأريحية عن أنهم نالوا ما يستحقون، يجب أن تدرك أن الإرهاب فكر يتمثل في التعالي والكبر بما يتوهم الشخص أنه مفضل به على الآخرين، وفي التأله بإعطاء نفسه الحق في الحكم والحد على من يخالفونه.



فاعلم أن موقفك يمثلك، وأن اعتقادك بأنهم نالوا ما يستحقون يجعلك إرهابيا. وحاذر من نفسك، فذلك القلب المتحجر والعقلية الرجعية اللذان يرافقانك إلى المسجد لإقامة الصلاة، هما نفسهما من سيقودانك يوما لتحصد أرواح الناس، مرددا في كلتا الحالتين (الله أكبر).



[email protected]