مرزوق تنباك

لا تكن الموس على كل الرؤوس

الثلاثاء - 03 يناير 2017

Tue - 03 Jan 2017

ما صدر منذ أيام من توضيحات بعد صدور الميزانية، وما حملت الأخبار من إجراءات تناولت ما سيتم عمله في المستقبل القريب كانا تحت عنوان وثيقة التوازن المالي التي جاءت بكثير من المقترحات والتفاصيل المهمة والدقيقة جدا، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمستقبل الاقتصادي لـ15 سنة مقبلة.



ومن يطلع على تفاصيل الوثيقة يدرك أهمية ما تحمله من آراء عريضة واستراتيجية تتجه إلى إحداث تحول أساسي في المستقبل، يحاول أن يوجد للبترول بديلا، وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول ما جاء فيها من تفاصيل، فإننا لا نختلف على أننا نحتاج إلى تغيير جذري في كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي جربناها خلال الفترة الماضية، وجربنا معها كثيرا من الحلول التي ثبت في كل منها أننا لم نخرج من دائرة المثل «أنفق ما في الجيب يأتي ما في الغيب».



وقد كثر الإنفاق وتعددت مشاريعه وأساليبه وطرقه، ولم تتعدد مصادره بل بقي المصدر الوحيد هو البترول، ولم تستطع تلك السياسات وتلك المحاولات أن تضيف جديدا أو تساعد في مصدر جديد على مدى 50 سنة مضت، فشلت المحاولات وتكرر فشلها واستمر البحث في كل مرة تواجهنا أزمة اقتصادية أو يتعرض موردنا الوحيد لهزات في الإنتاج أو الأسعار.



أمام هذا الماضي العقيم الذي جربنا فيه كل المحاولات الممكنة كان لا بد أن يبحث المسؤولون عن خطط تحمل مسارا جديدا برؤية مختلفة عما عهدناه في كل المحاولات العقيمة السابقة.



أما اليوم فقد أصبحنا نشعر أن المحاولة جادة والعزم قد انعقد على تجربة غير ما سبق من تجارب، والتصميم على التغيير مسلم به مهما كان الثمن الذي قد يدفعه الناس ويتحملونه، وليس المهم أن نؤيد الوثيقة وما جاء بها من تفاصيل طويلة ودقيقة وغامضة في بعض الأحيان أو حتى نناقشها ونرى ما يمكن تنفيذه منها وما نشك أو نجزم باستحالة الوصول إليه، ولا ما لا يمكن عمله ولو أردنا، ليس هذا هو ما نريد الحديث عنه لكن المهم أننا أمام تحول شامل ورؤية لطريق طويل أعد له نظريا إعدادا جيدا، وقدم على أنه مسار لا بد من السير فيه، وليس هناك خيار غير ذلك، ولا رجوع عنه.



وكان واضحا في الوثيقة وفي رؤية الفريق الذي أبرزها نقاط عدة، أهمها وقف الهدر المالي على كل المستويات، والذي كان هو سمة الزمن الماضي لدى العامة والخاصة، حيث تعود الناس على شيء من التوسع في الإنفاق غير الضروري والاستمرار بدفع التكاليف المتضخمة إلى حد الإسراف والتبذير وكثير من الاهمال في طرق الكسب، مما جعل الناس يبحثون عن أيسرها وأسهلها ولو كان بمردود أقل.



ولن يكون القادم من الأيام سهلا على المخططين ولا على المواطنين، ولكن لا بد مما ليس منه بد كما يقال. سيواجه المخططون صعوبات في تطبيق الوثيقة كما يريدون وسيواجهون لا محالة عقبات أمامهم مهما بلغوا من الحيطة في التغلب عليها أو تجاوز آثارها، وسيواجهون عسرا شديدا في بعض بنودها لأن الأمر يمس حياة الناس ويتعلق بمصالحهم.



ولا أظن أن هناك خلافا على ضرورة البحث عن إصلاح الحال ولكن الخلاف على أولويات المستهدفين بهذه الرؤية، فالأولى أن ينظر إلى شرائح المجتمع باختلاف وضعها الاقتصادي، هناك شريحة قليلة كانت استفادتها من الماضي كبيرة، وكونت ثروات ضخمة وعاشت في بحبوحة من المال وسعة في الرزق بينما القطاع الكبير من المجتمع يعيش حالة الكفاف، أو ما هو دون ذلك.



والأولى أن يتدرج التطبيق من الأعلى دخلا إلى الأقل، وأن يكون هناك فاصل زمني في المراحل التي ينتقل فيها التطبيق من شريحة الأغنياء وأهل المال والثراء إلى الشرائح الأخرى الأقل ثراء وما دونهم من أهل الكفاف، وألا تكون الموس على كل الرؤوس.



[email protected]