عبدالغني القش

هيئة السياحة والتراث.. وضياع إرثنا!

الأحد - 01 يناير 2017

Sun - 01 Jan 2017

في خبر يعد فاجعة بكل ما تعنيه الكلمة نشرت معظم صحفنا المحلية الأسبوع المنصرم خبرا مفاده إقدام مواطن على الاعتداء على حصن تاريخي يعود تاريخه لأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وقد تم تشييده على مساحة تقدر بألفي متر مربع، بواسطة صخور ضخمة جدا وذات أحجام كبيرة ويحوي الحصن بداخله أكثر من عشرين غرفة، بالإضافة إلى وجود ثمانية أبراج للمراقبة بنيت بطريقة ماهرة في التنفيذ والقوة في البناء، ويوجد خارج الحصن بئر عميقة ولكنها اندثرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب عدم المحافظة على هذا الموقع الأثري!



هذا الحصن يقع في المدينة المنورة، والزمن المشار إليه هو زمن النبوة، ومع هذا يقوم مواطن بالاعتداء السافر عليه، وبمعدات وآلات ضخمة، هكذا في وضح النهار ونشرت أكثر من صحيفة هذا الخبر المؤسف ولم تتفاعل معه أي جهة حكومية، وبخاصة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.



وبدوري تواصلت مع بعض القائمين على الهيئة، وطلب مني إرسال رسالة على البريد الالكتروني، ولم أجد ردا حتى كتابة هذا المقال.



ودعونا نصارح القائمين على الهيئة، من حيث الدور المأمول، فالهيئة لم تحقق الحد الأدنى من التطلعات، فالآثار لا يتم المحافظة عليها، ويبدو أن مسألة وضع اللافتات التي تشير إليها تعتبره الهيئة دورا هاما، وأقصى ما هنالك وضع سور على بعض الآثار!



ليت الهيئة تدرك أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير؛ فهذا الإرث التاريخي (وبخاصة المتصل بعهد النبوة) ينبغي العناية به أيما عناية، وإبرازه بصورة مشرفة ومشرقة لكل من يقدم إلى هذه البلاد.



وهنا تحضرني كلمات قالها سمو ولي ولي العهد حيث قال نصا «هل يعقل ونحن في بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وعندنا المدينة المنورة وليس لدينا متحف إسلامي!»



وأذكر أنني طالبت حينها أن يكون مقر هذا المتحف في المدينة المنورة؛ لما تحويه من إرث تاريخي يتعلق بسيرة خير البرية وهادي البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام.



ولكن الهيئة لم تتفاعل مع ذلك المقال أيضا، ويبدو أنها لا تعير ما يكتب في وسائل الإعلام العناية المستحقة.



إن اقتصار دور الهيئة على الجانب السياحي الضعيف وغير المرضي لا يبرر القصور الأكبر في جانب التراث، والواقع يؤكد أن برامج الهيئة لا ترقى للطموحات، فهي بائسة بكل المقاييس، وحضورها في الغالب شرفي، بحيث يقام المهرجان تحت مظلتها ولا تتكفل به، وهو ما يثير التعجب ويرسم علامات من الاستفهام!



الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كانت أملا عند كل المهتمين بالتاريخ، بحيث يحافظ على القائم، ويتعدى ذلك إلى محاولة استرجاع ما مضى من خلال شركات متخصصة.



وأذكر أنه ذات مرة كنت في دولة أوروبية وإذ بالكاميرات والآليات والجمهور قد تجمعوا، وعند السؤال كانت الإجابة أن قطعة سقطت من قصر تاريخي، وتم الاتفاق مع شركة متخصصة على إعادتها بنفس الخصائص والألوان وكان ذلك اليوم هو موعد التركيب (رسالة ضمنية لهيئتنا الموقرة).



ليت الهيئة تقيم قدرا لمثل هذه الآثار النبوية كأُطم بني واقف خلف مسجد قباء وكذلك مسجده الثابت في السيرة النبوية، وغيرها من المعالم كالترسيس (الذي تعرض لعبث مماثل) والقلاع وسكة الحجاز، وقد اندثرت معظمها إما بفعل عوامل التعرية أو بأيادي عابثة امتدت إليها وهي لا تعرف قيمتها التاريخية وثقلها الزمني.



ولا أعلم لماذا تتحسس الهيئة وتتردد في الإقدام على ترميم وتحسين تلك الأماكن لتكون معالم بارزة، وحينها يشعر المواطن بها، فهل تقدم الهيئة؟!



[email protected]