أسامة يماني

الوطن مع الرؤية

السبت - 31 ديسمبر 2016

Sat - 31 Dec 2016

الرؤية ليست رفاهية، بل هي أكثر من ضرورة، فعدم وجود رؤية يعني أن الوطن لا يعرف مستقبله، وأنه لا يبنى على أسس سليمة، وتصبح العشوائية والارتجالية هما السائدتان، ويستشري الفساد والمحسوبية، ويضيع التخطيط والإعداد والاستعداد لصالح المزاجية والرؤية الفردية، فالأوطان لا تنهض إلا برؤية واضحة ومفهومة للفرد تحقق تطلعاته لكي يؤمن بها، ولتساندها الأغلبية لصالح الأجيال القادمة، ولصالح الأمن والاستقرار ورفاهية الوطن والعدل وحقوق الإنسان.



بدون رؤية فإن الطريق مظلم ومخيف، والمستقبل مجهول، والمتربصون مستعدون لخطف الوطن واللعب بمقدراته وأمنه واستقراره. الرؤية ليست خيارا، بل هي واجب حتمي تفرضه المعطيات، فنحن نعيش في عالم لا مكان فيه للمتخاذلين أو النائمين والمتكاسلين. الرؤية هي نور الطريق الذي يمكن الوطن من اجتياز العقبات، ويسهل السير للعربة لشق طريقها في يسر وأمان بعيدا عن المنزلقات، ويجنبها السقوط في الهاوية، فالرؤية ترسم الطريق وتنيره في آن واحد.



الرؤية تحتاج إلى برامج وآليات لتحقيق أهدافها وتطلعاتها، وهي إطار عام يرسم الخطوط العريضة والأهداف والتوجهات العامة والطموحات المستقبلية التي تدعو فيه الأفراد والمواطنين لخلق المستقبل، وتوضح لهم الاتجاه وتساهم في تنسيق الجهود بين كافة القطاعات، وتحفز الجميع لمستقبل باهر ولرفاهية اجتماعية يتطلع لها المجتمع. الرؤية يجب أن تكون عادلة ومنصفة لتشمل الجميع وكل أطياف الوطن.



إن أعداء الرؤية كثيرون، والمتربصون أيضا كثر، سواء من الداخل أو الخارج، ويتفاوت هؤلاء الأعداء ويتنوعون، فمن أعداء الرؤية أصحاب المصالح المادية القصيرة المدى الذين يعتنقون فكر اضرب واهرب - أي الذين يغتنمون الفرص لتحقيق الثراء على حساب الوطن - إلى البيروقراطيين الذين ستتخطاهم أهداف الرؤية وتطلعاتها، ولا يجوز أن يغيب عن البال الدولة العميقة ذات الجذور المتأصلة في البيروقراطية والتي تقاوم مثل هذه الرؤى، وسوف تحاول إحباطها بكل ما أوتيت من قوة مترسخة في النظام البيروقراطي القديم، لأنه يكره التغيير وضد كل حديث حتى ولو كان فيه الدواء الشافي للمشاكل والمعاناة.



تجار الدين والظلاميون سوف يقاومون هذه الرؤية باسم الفضيلة التي جعلوها فزاعتهم، يخوفون بها المجتمع ويحكمونه بها، ويصادرون حريات واقتصاد الوطن، وسوف يستغلون ذوي النوايا الحسنة لبث الخوف والإحباط والتردد، لأنهم يعلمون أنه لا بقاء لهم مع النور والأمل والرخاء والمستقبل. يعلمون هؤلاء بأنهم خاسرون، وأن الوطن هو الرابح الوحيد، ولكنهم اعتادوا أن يعيشوا كالخفافيش في الظلام، يتغذون من دماء الوطن ويدعون أنهم حماته.



الرؤية هي مستقبل الوطن. والإيمان بها كطوق نجاة يساعد على تطوير السلوكيات ويبعث الحماس على التغيير لتحقيق هذه الرؤية والمشاركة البناءة على كل الأصعدة كل في اختصاصه، ولا شك أن الرؤية يجب أن تبتعد عن المركزية وتنطلق من التنوعية وتكون مشبعة بالعدالة الاجتماعية والاستخدام الأمثل لكل الطاقات والإمكانيات الجغرافية والمادية والبشرية.



إن الرؤية الوطنية 2030 هي المستقبل الذي نحلم به، وهي الروح التي بعثت البهجة في النفوس والأمل في مستقبل باهر، وتؤكد على بقائنا كوطن في خارطة الأقوياء والأصحاء. نعم الوطن مع الرؤية، فلا وطن بدون رؤية، ولا وطن بدون قيادة عظيمة لا تصنع الأتباع بل تصنع القادة العظام، فجماهير القائد هم المبدعون الذين يؤمنون برؤية القائد والمستقبل الباهر الذي جاءت الرؤية به، وهكذا تحقق الأحلام وتصنع المعجزات.