تحليل الرأي العام وسياسة وضع القرار

الخميس - 29 ديسمبر 2016

Thu - 29 Dec 2016

الكثير من المجتمعات تتجه في سياساتها إلى توظيف مواقع التواصل في قياس ردود الفعل على القرارات الجديدة، وهذا اتجاه إيجابي معاصر في صناعة القرار.



مناسبة الموضوع ما لاحظناه قبل أيام قليلة من ردود فعل واسعة على قرار منع ظهور الدعاة في القنوات الفضائية إلا بموافقة وزارة الشؤون الإسلامية.

فقد لاحظنا كيف استفز هذا القرار شريحة كبيرة من المجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي، كما لاحظنا مدى اهتمام الصحف المطبوعة بعملية متابعة صدى القرار وإحصاء نسب الموافقة والرفض بخصوصه كما هو الحال عند صدور قرار جديد.



الكثير من أفراد المجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي رفض قرار منع الدعاة من الظهور في الإعلام، رغم ما ألحقته تصريحاتهم الغريبة والمؤذية لمشاعر الناس وما سببته من اشمئزاز واستياء لدى شريحة كبيرة.



إن أي قرار يخالف هوى البعض يتم تفسيره بأنه ضد الدين، وينطوي على أهداف ليبرالية وعلمانية.. إلخ من الكلام المكرر الذي يثار كلما أشرقت رؤية جديدة تهدف إلى ترسيخ الفكر الطبيعي المعتدل الذي يشمئز من الآراء والفتاوى المخالفة للفطرة الإنسانية حتى لو كان هذا القرار قرارا حكيما ينطلق من منهج إسلامي قويم تتبناه حكومتنا لصالح المجتمع وأفراده.



هناك العديد من القرارات التي ماتت في مهدها بسبب إحصاءات غير موضوعية تعتمد على الكم لا الكيف، مع أن منهج تحليل المضمون منهج موضوعي، وقياس الرأي العام لا يكون بالإحصاءات الكمية التي تعتمد على العدد دون النظر في المضمون.



فإذا كنا نهتم بقياس الرأي العام حول القرار قبل إصداره، فلنعلم أن منهج تحليل المضمون يعتد بالتحليل النوعي أيضا ولا يعتمد على التحليل الكمي فقط للآراء.

فكثير من الشرائح المجتمعية لا يزال ينقصها النضج في الوصول للغاية من القرارات الحكيمة التي تهدف إلى الحرص على حماية الوعي العام لأفراد المجتمع.

وعند تقييم ردود الفعل يجب فرز الآراء النوعية وليس الأصوات المكررة، فكثرة الأصوات المتشابهة تشكل رأيا واحدا لأنها قائمة على التقليد واستنكار الجديد مهما كان إيجابيا، فالتوافق مع السائد لا يعد رأيا يستحق الإحصاء، بل هو مجموعة نسخ مكررة تحصى في النهاية كصوت واحد.



كل شريحة في المجتمع من حقها التعبير عن رأيها إزاء أي قرار، ولكن عليها تقديم ما يسند رأيها ويبرر صوابه، وبالمقابل علينا أن نفحص تلك الآراء بناء على منهج موضوعي يقرأ نوعية هذه المبررات، هل هي حجج معقولة أم مجرد آراء سطحية قائمة على نمط سائد في التفكير يستند على قناعات الأفراد المسبقة.