شاهر النهاري

صديقي المحلل الاقتصادي

الثلاثاء - 27 ديسمبر 2016

Tue - 27 Dec 2016

أسأله دوما عن أصل دراسته، وهو يجيبني في كل مرة على مضض، لمعرفته بأني أقصد لومه في كثير مما يطرح، ومما لا يصب في مصبات المنطق (حسب استيعاب الأغلبية)، وأنه مرات يأتي بالعيد قبل رمضان، ومرات كثيرة يشطب العيد كليا بتحاليل تشبه رسماتها البيانية المتخيلة رسمات دقات قلب مريض مخطر، لا تدري متى تثبت إشارتها، حتى نفجع بموته.



صديقي لا يتحدث عن عمله، ومنصبه الجاهوي الفخري، فهو معروف بأنه محلل اقتصادي، ورغم قربي منه فلم يكن يوما مستقرا على رؤية واضحة، تجعلني أتمكن من فهم ما أجهله عن علم الاقتصاد، والأسواق، والميزانيات، والرسوم، وعن مؤشرات الأسواق المحلية والعالمية.



مشكلة المحلل الاقتصادي، أي محلل، أنه لا بد أن ينضوي تحت مظلة حكومية معينة، أو أن تتبنى أعماله إحدى المؤسسات الربحية، فيصبح كلامه وتحليلاته حريصة ملغومة متبدلة، وباتجاه عكسي قسري، وبقوالب جامدة، تحاول التحايل على نظم الأواني المستطرقة، فلا تعود تعرف أيها سيمتلئ قبل الآخر.

وهو يخشى التوقف عند الإشارات غير الواضحة، كيلا ينال مخالفة مرور، فيستمر يدور حول دوار التحاليل اليومية، حتى ندوخ نحن، ونشعر بأنه لم يعد يدري أين يمضي.



الأسواق لا تعلم هل مؤشراتها تعاكس توجهاته، أو أنه يتبعها، ليقنعنا أنها تتبعه!

الميزانية لديه عالم من الأرقام المبهرة قبل صدورها، وعوالم من الأرقام تختلف أثناء صدورها، وحدث ولا حرج حول عدم تحقق أرقامها على روزنامة الواقع اليومي، والشهري، فيبادر بمحاولة عفسها وتبريرها، وتستمر هي في معاندته ليضطر لكسرها مجددا، ورسم جداوله الجديدة المبهرة.



ولك أن تتعجب حين (ينشكح)، ويبرر، فيحملك إلى مناطق الغموض، لمعرفته بأنك تائه من الأساس، ولن تهتدي دون إضاءة منه، وكم يعجز عن إقناع من يسألونه عن دواعي دعم الدولة لمن يحتاجون للدعم، ولماذا يتم وضع الرسوم من الأساس عليهم، ثم العودة لمساعدتهم، وألن يحدث في ذلك نفس ما حدث في حافز وغيره من تهيئة للفساد، بأن يقوم بعض القائمين على المعونات بتسجيل أحبابهم، وتسهيل حصولهم عليها، بينما يبقى المحتاج الفعلي عاجزا عن الدخول على الحواسيب، وتقديم المطلوب من الشهادات والمتطلبات المعجزة، حتى يمل ويهرب، ويترك المعونات لمن لا يستحقونها!



وكم حارت حيرته عندما سئل عن كمية ما ينتظر الشعب من رسوم مستحدثة على كل صغيرة وكبيرة، وكيف أن ذلك لا يتناسب مع ما هو موجود من خدمات، ومع البنية التحتية، والتسهيلات، خاصة للقاطنين خارج المدن الكبرى، وكيف لم تتم موازنته مع الدخل الرعوي من البترول طوال العقود الماضية، وأسئلة كثيرة عن الفائض، والقروض، وعن الاستثمارات الخارجية والداخلية للدولة، وكيف يمكن حمايتها ممن يجورون عليها.



أسئلة كثيرة تطرح على صديقي المحلل الاقتصادي، فتشعر بأنه حارس مرمى مستنهك في تدريب عنيف، والتسديدات تأتيه سراعا من أقدام لاعبي الفريق، وهو يحاول أن يصد الكرات، المنتثرة حوله، وخلفه في قلب المرمى، وقدمه الحافية تدمي، وبسمته تحاول إنكار آلام كتفه وعينيه، ويمينه تنزلق خجلا للضغط على كدمات ظهره.



أنا حقيقة لا أحب أن أكون محللا اقتصاديا، لأني بكل صراحة أرثي لمدى مصداقية صديقي المزخرفة، لدرجة الحزن.



[email protected]