شاهر النهاري

خذوا الحكمة من الإصلاحية

الجمعة - 23 ديسمبر 2016

Fri - 23 Dec 2016

سامي هو نزيل قابلته أثناء زيارتي لإصلاحية جدة، شاب واثق بشوش، شعرت من بسمته أنه صديق لي نسيت اسمه، فدنوت منه أثناء عمله في دكان الإصلاحية، وتلمست طريقة تعامل النزلاء معه باحترام شديد وتوازن، على الرغم من اختلاف مستوياتهم في السن، ودرجات الوعي، والتعليم، ونوعية الجرائم.



نظراته لي أشعرتني بأني أمام حكاية تستحق التوقف؛ فانزويت به جانبا، ليبادرني بالأسئلة الذكية كنوع من جس النبض، ولاختبار كنه وجودي.

وبعدما ارتاح لي، أخبرني سرا بأنه من طبقة مرفهة، وحدد لي اسم عائلته الكبرى، وأشخاصها البارزين، وكيف أنه يحمل الدكتوراه في تخصص نادر، ولكنه ككثير من الشباب المتفائل المتواكل شارك في مشروع تجاري ربحه مضمون، ولكنه قصر في دراسة بعض جوانبه القانونية، فلم يضع فيها من الشروط ما يمكن أن يحميه من طمع الشريك، واحتمالية خيانته!



شهور، وكان من السهل على شريكه أن ينفذ من ثغرة قانونية بسيطة، وأن يتسبب في خسارة شركتهما، وبالطبع فقد خرج الشريك منها مثل الشعرة من العجينة، بينما تحمل سامي القضية كاملة، ليزج به في الإصلاحية.



ورغم مرور أشهر عدة على احتجازه، إلا أنه تمكن من كتم سره حتى عن أقرب ذويه، وظل يستغل المكالمات الهاتفية البسيطة، التي تتهيأ له يوميا ليدير من خلالها بعض أعماله، فلعله يتمكن من سداد الدين، والعودة لمجتمعه سليما بعد تجربته المريرة.



تحمس، ودمعت عيناه وهو يطرح علي اقتراحا من قلب المأساة، راجيا أن أساعد في رفعه لمن يهمهم الأمر؛ فلماذا يتم قطع رزق المذنب في قضية حقوقية، ولماذا يتم حجزه خلف الأسوار، فتكسد أعماله وتجارته، وتتراكم عليه الديون، وكم من موظف معه سيتم إيقاف حالهم، وكم من المصائب ستخنقهم تباعا؟

ماذا لو سحب منه جواز السفر، وأطلق سراحه شكليا، بتحديد مناطق تحركه بالأسورة الأمنية الذكية، فعندها سيستمر في مراعاة أعماله، وتسيير تجارته، ويرعى أسرته، ولا يترك أبناءه عرضة للضياع!



ثم إنه يعد حملا ثقيلا على الحكومة باحتجازه بالإصلاحية، بينما يمكن الاستفادة من مكانه لرعاية نزيل خطير!

ولا شك أنه عندما يكون حرا سيتمكن من سداد دينه بسرعة أكبر مما يتهيأ له فعله وهو خلف الأسوار.

فكرت قليلا، فنظر لعيني بذكاء، وقد أدرك ما يدور في خاطري، وسارع بإخباري بأنه لن يستفيد شخصيا من هذا القرار لو حدث وتبنته وزارة الداخلية، باعتبار أنه قد تمكن من جمع المبلغ المقرر عليه، ولم يتبق له بالإصلاحية إلا أيام؛ ولكنه ينظر لمن يتم تدمير حياتهم بالمكوث وراء الأسوار، إثر مطالبات بمبالغ قد تكون بسيطة، ولا تستحق تدمير حياتهم الأسرية والمجتمعية، وربما تكون الأسورة الأمنية حافزا قسريا لهم للعمل، والتسريع في سداد ديونهم.

وللحيطة والتقنين فقد حدد سامي أن يكون ذلك بشروط، أهمها أن يكون المتهم بدون أي سوابق، وأن يكون لديه عمل مربح، وألا يكون في قضيته أي جرم آخر.



حقيقة، لقد وعدته بالكتابة في ذلك تأييدا لفكرته النيرة؛ ولعل سمو وزير الداخلية أن يأمر بدراسة ذلك، لما له من خير عميم على المواطنين، والوطن، وتفريج لهموم، ودفع لبلاء.



[email protected]