شاهر النهاري

تعظيم سلام لوزير الداخلية

الثلاثاء - 20 ديسمبر 2016

Tue - 20 Dec 2016

لقد كنت أسمع كغيري في السابق عما يحدث في السجون السعودية، مما تنشره منظمات حقوق الإنسان عن انتهاكات لحقوق السجناء؛ وكنت أتمنى تعديل الحال، وتغيير الصورة السوداء المسيئة للوطن.

كان هذا التصور يدور في مخيلتي، كوني لم أعرف يوما السجن، إلا على أوراق الصحف، ولم أمتلك حجة تخالف ما تروجه وتشيعه تلك الجهات والدول المغرضة.



واستمر ذلك التصور حتى دعيت وعدد من الزملاء الإعلاميين من مختلف أنحاء المملكة لزيارة مطولة لسجن مدينة جدة العام، وللإصلاحية الجديدة، في يوم قشع الصور القشيبة الملتصقة بجدران دماغي.

لقد وجدت صورا مشرقة، لا تقل إبداعا عن صورة نظام (أبشر)، الالكتروني، الذي دشنته الوزارة في السابق، فكان نقلة معجزة بحد ذاتها.



أنا لا أبالغ، فالوضع أنظف وأكثر تنظيما وتأهيلا وتطويرا، لدرجة شعرت معها بالشعرة التي تفصل بين الإصلاح، والتدليل.



ما رأيته هناك لا يمكن تسميته بالسجن، كون مسمى الإصلاحية أقرب إلى واقعه، وكان من قابلتهم فيها كنزلاء يقدرون عظم جهود الدولة، وخدماتها، التي تكاد أن تحسب بالنجوم الخمس، سواء في هندسة المباني الحديثة، أو نظافتها، ورفاهيتها؛ أو في ملابسهم الموحدة، والتي يصنعونها بأيديهم، بعد أن تم تعليمهم مهنا عدة، تكسبهم المكافأة الشهرية، وتنيلهم الشهادات المعتمدة من المعهد المهني، وتؤهلهم وتسلحهم بمختلف المعارف، للعودة إلى مجتمعاتهم، كأشخاص تم إصلاح حالهم، وليس كرد سجون.



ساحات للتنزه، ومزاولة الهوايات الرياضية، وصالات لمتابعة البرامج التلفزيونية، ومكتبة، ومرسم للفنون التشكيلية، ومسجد، ومدرسة، ومستوصف طبي، وعلاج نفسي واجتماعي، وتغذية على أعلى مستوى، ودار مهيأة للمقابلات الأسرية الحميمية، ومتجر للبيع والشراء، وغيرها من الخدمات.



حقيقة أن ما رأيته كان مكتملا، ورائعا، وأنه لو لم يكن بالمملكة إلا هاتان الإصلاحيتان كبداية، لفرحنا واستبشرنا خيرا بأن تتبعها بقية سجون المدن الأخرى بمثل هذا العمل النموذجي الطيب، المبارك.

لقد رأينا العمل المتقن، ولمسنا حنكة العاملين عليه من رجال ونساء، أشعرونا بالطمأنينة، واختصروا لنا تحقق رؤية المملكة 2030 بجدارة ورقي في مجال مراعاة حقوق الإنسان، والذي تاه يوما عن الطريق القويم؛ فوجد من يوقظه، ويقف معه عونا، لينال عقابه بتقليص الحرية، ولكنه وتماشيا مع رؤية وزارة الداخلية ينطلق إلى ما هو أبعد وأنقى، فتتم مساعدته ومعالجته كمريض وليس كسجين، مهما بلغ جرمه.



السجين تحول إلى نزيل، والمنبوذ، تحول إلى مقتدر محترف مهني تم إصلاح أحواله، وتعديل خطواته، وترقية نظرته للناس وللحياة، ولنفسه قبل كل شيء.



تحدثت مع كثير من النزلاء، وتعاطفت مع بعض حكاياتهم، وتمنيت لو كانت لدي القدرة للجلوس معهم لوقت أطول، وتأطير قصصهم، بغرض توصيلها لمدارك شبابنا، فلعلهم أن يعتبروا، وكم في السجن من مظلوم، راح ضحية صديق سوء، أو شريك طمع، أو غفلة شيطانية باعتداء على إنسان لفظيا أو جسديا أو نفسيا.



تجربة إنسانية عظيمة خضتها، ولعلي أعود مستقبلا للحديث عن بعض أجزائها الدقيقة الحزينة العجيبة المؤلمة؛ ولكني اليوم لا أريد أن أفسد فرط سعادتي بالتحول العظيم الملموس في تركيبة ومعاني سجون المملكة، والذي أتمنى أن يشمل بقية المدن.



تحية احترام، وتعظيم سلام لولي العهد وزير الداخلية، ولكل القيادات الأمنية الأمينة من ضباط وأفراد وموظفين عاملين تحت قيادته.



[email protected]