محمد أحمد بابا

قابلني ولا تغديني

السبت - 17 ديسمبر 2016

Sat - 17 Dec 2016

لا تقل أهمية العطاء النفسي والروحي عن ذلك الكرم والبذل المادي أو الجسدي للغير، ومن يعي ذلك يسوغ له أن يتدبر نص الكلام النبوي في تداعي الجسد بالسهر والحمى حين شكوى عضو منه.

ولا يخفى على عاقل بأن حرارة الجسد علامة خلل في بعض مرض في جزء من أجزائه رغم أنها هي بذاتها في تقدير رب العالمين لطف بذلك الجسد تخفيفا عن تحمل عضو واحد منه عناء ومعاناة.



ومن ذلك المنطلق فجبر الخواطر من الدين، وتعزيز الوقوف النفسي والمعنوي من الدين، والإحساس بمظلومية الآخرين من الدين، حين يتمكن من القلب بأن الأرواح جنود مجندة إذا اصطفت في مواجهة عدو الخذلان والتخلي انتصرت واستقوت على الضغوط النفسية.



اليوم نواجه وحدة الوجود في محيط المشكلات دونما معين ولا ناظر بعين حزن وتقدير، ويعيش كثير منا عناء الأمراض لا يسمع من (سلامتك) إلا ما يتذكره من برنامج قديم خليجي مشترك كان يقول لنا: نود لك سلامتك.



المخجل في الأواصر الاجتماعية أنها اقتفت أثر الحدود المرسومة بين أقطار الوطن العربي فجعلت من حدود المجاملة رد دين أو تعاملا بالمثل. والمزعج أيضا أن توزيع الابتسامات رغبة في إشاعة الخير أضحت جنون بعض أو خبث آخرين.



ومن تجربة وممارسة يرى كثيرون يحكون لنا قصص الماضي بأنه ربما كلمة قالت لصاحبها أنت الصديق الصادق المصدوق، ورب مشاركة في حال نفسي متقلب جعلت من صاحبها أعز الناس عند أبعد الناس، ورب عيون حانية ترمق في تفهم معاناة وضعت صاحبها في مصاف الفضلاء والصالحين.



ومن هو مستقيم في هذه الدنيا بناء على استقامة الأمور له دونما معكرات لا شك بعيد عنه جدا تصور الضعفاء والإحساس بألم المرضى وحسرة الفقراء وقضية أولاد الشوارع وسوء حال المظلومين.

الحكم على الشيء فرع عن تصوره لا عن عيشه أو تجربته، ولا يحسن التصور الحقيقي للأشياء إلا بملكة الإحساس وتقنية يفهمها القلب، ومن فقد ذلك ربما عاش جنونا أو انفصاما في الشخصية عند أول ورطة يجد نفسه فيها وحيدا يهرش إحساسه في حاجة لشيء لا يعرفه كأنه مدمن مخدرات، لكن الناس يعرفون.



أجدني دوما أعجب من برامج ونشاطات نفسية واجتماعية في العالم يعلن فيها أهلها التضامن مع أصحاب قضية بغناء أو رسومات أو حتى سفر أو علامات توضع في ملابس أو وجوه أو حسابات، لكن عجبي زال حين قال لي أحدهم بأنهم بذلك يحاولون استدعاء نفوس في أنفسهم فقدوها بسبب حياة مادية لا تعترف سوى بالدولار.



الطفل الذي حلق رأسه تضامنا مع زميله المصاب بالسرطان عرف بفطرته مغزى كلام النبوة في تداعي الجسد الواحد، ونحن في هذا الوطن أظننا في قدر من الحاجة الماسة أن نشعر بمن يستأجر ليسكن، ومن يبحث عن واسطة لتقبل ابنته في الجامعة، ومن يستدين ليسدد قيمة مخالفات مرورية تضاعفت حتى يستقيم تقييمنا لأي نظام جديد أو لوائح مستجدة.



كلام المنتقدين في انفصال عن الشارع، وتعليق المسؤولين في بعد عن الواقع، وتصريح المنظرين في غياب حقائق ملموسة يجعل البؤساء يضربون رأسهم في (الحيط) حزنا ألا يجدوا بيضا أو طماطم يقذفونها في رفض لهكذا استفزاز واستهتار.



ومثل سمعته من أبي يقول: قابلني ولا تغديني، يفهمني أن الناس تحتاج من يفهمها ويشعر بها أكثر بكثير ممن يتصدق عليها بخرافة وعظ أو غلاظة افتئات.



[email protected]