سحر أبو شاهين

أنا والأحوازي على قطار إيراني

الثلاثاء - 13 ديسمبر 2016

Tue - 13 Dec 2016

قبل عام ونصف كنا في رحلة سياحية لإيران نستقل المترو قاصدين أحد المعالم، استفسر منا الراكب المقابل لنا بعربية واضحة لأي بلد ننتمي، فأجبناه أننا سعوديون، أخبرنا أنه شيعي من الأحواز، فسألته عن حالهم وهل ما نقرأ عنهم في إعلامنا صحيح، فأشار إلى معاناتهم شيئا من التمييز فيما يخص عملهم ببعض القطاعات الأمنية وشركات البترول، فلا يتحصل على الوظيفة إلا بعد تحر مخابراتي عن المتقدم وأسرته، والأولوية لمن أصولهم فارسية، وتحسر على إلزام أبنائه بالدراسة باللغة الفارسية، وقلة حصص اللغة العربية واقتصارها غالبا على تعلم القرآن، وتحدث بفخر عن إصراره على التحدث بالعربية مع أبنائه حفاظا وترسيخا لهويتهم.



لست ممن يتخذون الأحواز قضيتهم، أجده تدخلا في شؤون بلد له سيادته، وكيل بمكيالين، يماثل تماما الشكوى من محاولة إيران التأثير على الشيعة العرب ووصفها إياهم بالمظلومين ومسلوبي الحقوق.



منذ 38 عاما والنظام الإيراني يسوق لنفسه كنظام حكم مثالي يضمن رغد العيش والعزة والكرامة، عبر عشرات الوسائل الإعلامية الناطقة بالعربية.

فهل فعلا ضمن حقوق الجميع بعدالة على أساس المؤهلات والكفاءة؟ هذا لم ألمسه في إجابة الأحوازي الذي التقيته صدفة على متن قطار إيراني، ولا في بيانات جهات رسمية إيرانية تتحدث عن 10 ملايين و200 ألف إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وعن بطالة بلغت 11% وعن تعرض المعارضين لنظام الحكم للتهميش والإقصاء إن لم يكن الإقامة الجبرية والسجن، كما حدث مؤخرا في حكم محكمة قم بالسجن 6 سنوات على أحمد منتظري (60 عاما)، لنشره تسجيلا لوالده آية الله حسين منتظري، أحد رموز الثورة الإيرانية انتقد فيه إعدام معارضين.



وأعود للتأكيد على أن ذلك شأن داخلي، لا يعنيني بقدر أهميته للدلالة على صورة إيران الواقعية، لا كما تصورها لشيعة الدول المحيطة بها، تبصرهم يحميهم من تغرير يزج بهم في غياهب السجن لربع قرن أو يعجل بهم للقبر بمشنقة تكسر أعناقهم، أو سيف يحز أوداجهم، دون أن تمنع إيران عنهم شرا ولا تجلب لهم نفعا.



لا يبدو أنها اكترثت لصدور أحكام بإعدام 15 سعوديا أدينوا بالتجسس لصالحها، وسجن 15 آخرين لسنين طوال، ولا يعنيها المصير الذي ينتظر عناصر خلية أحمد المغسل، ولا إعدام اثنين من أصل 26 عنصر لخلية العبدلي الكويتية.



أعجز تماما عن فهم كيف اقتنعوا - وبعضهم حملة شهادات عليا - أن عملهم لبلد آخر في صالحهم؟ وما الذي أخبروا به ليفعلوا ما فعلوا؟ هل ما زالوا الآن - حيث تحيطهم جدران السجن الكئيبة - يحملون القناعات نفسها؟ بعد خسارتهم لكل شيء؛ سمعتهم، حريتهم، أسرهم، وحياة من الإنجازات كانت تنتظرهم، كم آمل أن يخطوا كتابا يحكي التحولات التي عايشوها، سيفيد كل من ما زال يراهم الذئب الذي أكل يوسف!



آمل أنهم وعوا أن إيران كغيرها من الدول تعمل لصالحها، وصالحها أن تزيد نفوذها وقوتها، ولا يعنيها كم ومن سيتضرر في سبيل ذلك.



يعمر الوطن سواعد أبنائه السوداء منها والبيضاء، لا يهم أن تسبل حين الصلاة أم تعقد، توضع الجباه على سجاد أم تراب، يحيى العاشر من محرم بالصوم أم بالسواد ومجالس العزاء، المهم أن نحترم اختلافاتنا ونتعايش في انسجام، ونوقف تخوين وتكفير بعضنا، نسد الثغرات بالقوانين والعقوبات الصارمة، فلا تتسلل منها رياح إن لم توهن البنيان أزعجنا صفيرها!