مرزوق تنباك

من يعزز اللحمة الوطنية؟

الثلاثاء - 13 ديسمبر 2016

Tue - 13 Dec 2016

يعقد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منذ إنشائه حوارات مكررة ودورات متعاقبة عن المواطنة وعن التعايش بين المواطنين، وآخرها كان في نهاية الأسبوع الماضي وعنوانها (التعايش المجتمعي وأثره في تعزيز اللحمة الوطنية) وموضوعها كالعادة التعايش الذي لا أدري كيف لا يمل المركز الموقر من تكراره بعد أن قضى سنين عديدة منذ إنشائه في القول عن التعايش الذي لا وجود له حتى في أروقة المركز الموقر نفسه، التعايش لا يكون في غرف مغلقة يدعو إليها من ينتقيهم بعناية خاصة وتوصيف دقيق يتحدثون عن مثاليات ليس لها تطبيق على أرض الواقع وتذهب آراؤهم ورؤاهم مع آخر مدعو إلى الحوار حين يغادر مكانه.



لكن ليس هذا هو المهم، المهم هو أنها انتهت حوارات المركز يوم الخميس تحت عنوان رئيسي (الأسس الشرعية والاجتماعية للتعايش المجتمعي)، ويوم الجمعة التالي ارتقى إمام أكبر جامع في مدينة الرياض وأشهر جامع أيضا ولا يبعد عن مقر المتحاورين كثيرا فأفاض الإمام بسخاء منقطع النظير، وصب من الدعاء والابتهالات ما يزلزل الجبال الرواسي على أعداء الله وأعداء الإسلام في رأيه، وبعد جولة طويلة على الأعداء الذين وصفهم، عاد إلى أبناء الوطن الذي يدعو المركز للتعايش بينهم فصار أكثر تحديدا ودقة وذكر طوائف من المواطنين بالاسم، وزاد من الابتهال والدعاء عليهم، ويبدو والله أعلم أن الإمام فهم من تطبيق الأسس الشرعية في التعامل المجتمعي موضوع اللقاء فهما خاصا للوطن وبناء اللحمة الوطنية فأمطرهم بوابل من دعائه وقد يكون بعضهم في الصف الأول في مسجده أو جارا قد يتجاوز صوت المكبر سمعه.



هذه التناقضات الفاخرة بين دعوة للتعايش المجتمعي في غرف مغلقة تديره الدولة وترعاه وبين سماء مفتوحة تصدح فيها مكبرات الصوت في أقدس الأماكن ويستمع لها كل المواطنين في كل جمعة، وهذه المنابر تديرها الدولة وترعاها أيضا وهي تصنف المواطنين وتندد ببعضهم وتفرق بينهم ذلك هو العجب الذي لا ينقضي، فأيهما أكثر تأثيرا في السامعين غرف المركز أو روضات المساجد؟



نعود ونكرر حتى ولو للمرة الألف أن الذي يعزز اللحمة الوطنية ليست المؤتمرات والندوات وليست الخطب والمواعظ وليس تنظيرا مغلفا تريده النخبة رداء تتجمل به أمام الناس وتضعه تعويذة لأعمالها التي تقوم بها بين آونة وأخرى. اللحمة الوطنية يضع سداها ويعزز بناءها أسس كثيرة ومنطلقات عامة يعرفها الناس كافة ويحسون بها ويدركونها بالفطرة والطبيعة، لا يحتاجون فيها لعقد الندوات ولا المؤتمرات، وأهم لبنات اللحمة الوطنية المعززة لوجودها حين يكون الناس سواسية في الحقوق والواجبات، وحين يشعر الجميع أن الإنسان مقدر بعمله وجهده واجتهاده، وأن الوطن هو المساحة المفتوحة أمام الأعمال الوطنية المخلصة مهما كان فاعلها من أي قبيل كان ومن أي جزء من الوطن أتى، وحين يعرف المواطنون أنهم سواسية كأسنان المشط لا يطمع القريب في حق الغريب ولا يشعر أحد أن انتماءه لمنطقة أو لأسرة أو لعشيرة هو فضل أو مكسب يميزه على غيره وإنما الجميع أبناء الوطن الواحد وإن تباعدت بينهم المسافات، فلا تميل كفة العناية ولا تقتصر التنمية على جهة أو جهات بينما تشح مواردها عن جهة أو جهات أخرى.



وحين لا يكون المال دولة بين الأغنياء ولا الفرص خاصة للمقربين والأصدقاء وحين تكون الآفاق مفتوحة للكفاءات والقدرات والملكات الخلاقة فلا يحتاج من وهبه الله شيئا منها أن يطلب الشفاعة من شفيع ولا الوساطة من وسيط إلا وساطة ذاته وقدراته وانتمائه للوطن الذي يعيش فيه الجميع.



المواطنون الطيبون البسطاء لا يدعون للمؤتمرات ولا يحسنون تدبيج المقالات ولا القصائد والمعلقات في وصف اللحمة الوطنية والتعايش السلمي بينهم، ولكنهم كانوا يعيشونها ويمارسونها في أعمالهم وأفعالهم ويطبقون ما يعزز اللحمة الوطنية بسماحة طباعهم وسلامة صدورهم، هؤلاء هم الذين يبنون اللحمة الوطنية ويعززونها ويحافظون عليها.



[email protected]