عبدالغني القش

الرقية الشرعية.. ضياع بين الهيئة والإسلامية!

الاحد - 11 ديسمبر 2016

Sun - 11 Dec 2016

الرقية الشرعية أجازها الإسلام، لا يشك شاك في ذلك، فهي من سبل العلاج، وبخاصة للأمراض غير المحسوسة مثل المس والعين والسحر وغيرها، وقد أقرها الشارع الحكيم، وأجاز أخذ المال مقابلها.



ووجود الرقاة في مجتمعنا ظاهرة مجتمعية، وهو أمر قديم حديث، فهم يكثرون ويقلون بنسب متفاوتة، ولكنهم منتشرون في كل بقعة من بلادنا، يمارسون ذلك بشكل علني، وتتطاير أخبارهم حتى بات بعضهم ممن تشد إليه الرحال، وأجزم أنه لا توجد مدينة ولا محافظة في بلادنا تخلو من الرقاة.

والمتأمل يجد أن هناك من اندس بينهم، فهو لا يحسن قراءة القرآن فضلا عن أن يكون راقيا، ولا يكتشف أمره إلا بعد أن يكون قد ضحك على كم هائل واستحوذ على مبالغ طائلة!



ولا عجب أن يدخل السحرة والمشعوذون في هذا الباب، فقد فتحوا أبوابهم وتستروا تحت هذا المسمى (راق) وبات الناس يقصدونهم بحثا عن العلاج وبأي ثمن كان، ويستمرون لسنوات إلى أن يتم فضح أمرهم وكشف سرهم من قبل أحد المتعاملين معهم، بل ربما وصل حالهم للتعدي على العورات، فالقصد المادي بات واضحا أنه مأربهم.



نطالع الصحف، بل وبعض البرامج التلفزيونية، ومقاطع اليوتيوب وغيرها، فنجد أناسا استغلوا هذه الفوضى، فامتهنوا الرقية، وهم دجالون هدفهم مادي بحت، وليس لديهم دراية، والبعض خلط بين الطب الشعبي والرقية، وحدث ولا حرج، في مشهد عارم بالفوضى!

هذه الأمور مجتمعة تستوجب الوقوف بحزم لتنظيم الرقية في بلادنا؛ لتكون أنموذجا للغير من البلدان الإسلامية الأخرى، بعد إخضاع هؤلاء للمقابلة من قبل لجنة متخصصة والإقرار بصلاحيتهم للرقية.



ولا بد من تكاتف الجميع هيئة الأمر بالمعروف ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد التي أهملت في جانب الإرشاد الموجود في مسماها وما زالت تقف موقف المشاهد فلا دور لها مطلقا، في إجراء غير مبرر على الإطلاق.

أما الهيئة فلربما أنشأت وحدات هي – في تصوري – لا تفي بالغرض.

ونحن نطالع - مع بالغ الأسف - بين الحين والآخر أخبارا تبثها الصحف عن رقاة كانوا يمارسون أعمالا مخلة مع المرضى، بل والقبض على بعض السحرة والمشعوذين الذين قدموا أنفسهم على أنهم رقاة، ومع هذا فالوزارة لا تحرك ساكنا، ويبقى الحال على ما هو عليه، ولا يعلم المرء إلى متى؟!



إن المفترض هو أن تتحرك الوزارة وبشكل عاجل ومباشر لتنظيم الرقية والرقاة في بلادنا من خلال منح تصاريح رسمية لمن يكون مؤهلا لهذا الشأن، ومن ثم ترخيص آخر لمكان مزاولته، بتنظيم متقن ونظام مقنن، ولا نقلل من دور متابعة الرقاة وتلك الأماكن من قبل الجهات الرقابية والأمنية، فمن غير المقبول أن يبقى الناس في تخبط يتتبعون كل دعي، وهم يجهلون حقيقة أمره، والمريض معذور؛ فهو يبحث عن العلاج، ويريده بأي ثمن وطريقة، ولا يدري أن من يرقيه مؤهل أم لا، بل ربما يكتشف أنه يتعامل معه ساحر أو مشعوذ.



إن المرجو هو التعجيل بنظام دقيق لتنظيم وضع الرقية والنظر في أوضاع الراقين بإبقاء من هو أهل لأن يرقي الناس وتنحية وإيقاف المنتحلين، لتخليص المرضى من هؤلاء الذين عاثوا فسادا وتلاعبوا بالأنفس المغلوبة على أمرها، والأعجب هو عدم تدخل الجهات الأمنية لوقف هذه الفوضى.

وأتساءل: ما المانع أن نرى دورا مرخصة للرقاة، وبرسوم محددة، بل لماذا لا يمنح الراقي ترخيصا بحيث تكون هناك نزل لمن يحتاج للمكوث أياما عدة من أجل الرقية (وبرسوم مقبولة)؟!



إن الوزارة - في تصوري - لم تمنح هذا الجانب الاهتمام المستحق، ولم توله العناية المطلوبة، بل لم تؤد دورها المفترض أن تقوم به، والواقع خير شاهد على ذلك، ومن يطالع الصحف المحلية يدرك هذه الحقيقة ويتفق معي بلا تردد، فهل تتحرك الوزارة، لنرى تنظيما للرقية والراقين في بلاد الحرمين؟



[email protected]