عبدالعزيز الخضر

مستقبل دول المصير المشترك

السبت - 10 ديسمبر 2016

Sat - 10 Dec 2016

روابط الأخوة والمصير المشترك ليست مجرد جمل إعلامية تكرر في تغطية المناسبات وقمم مجلس التعاون الخليجي، فالإحساس الشعبي والرسمي بهذا المصير هو اليوم أقوى حضورا من أي مراحل تاريخية مضت. هناك شعور متزايد بهذه الحقيقة في عالم متحول ومضطرب، عززته مظاهر الانهيارات التي حدثت في دول عربية كبرى، وهذا الخوف على المكتسب الذي تحقق بدأ يشعر به حتى من كانت لهم مواقف سياسية مختلفة خلال الموجات السياسية والأيديولوجيات الماضية، ومع أجواء هذه المشاعر يتم بين فترة وأخرى تداول مقطع قصير في اليوتيوب لجزء من كلمة الملك فهد الشهيرة في موقفه من غزو الكويت «ما فيه كويت وما فيه سعودية.. فيه بلد واحد يا نعيش سوى يا ننتهي سوى..».



وحدة مصير دول الخليج في ذهن أي فرد في الشارع الخليجي هي أكثر وضوحا من كل التنظيرات السياسية والدراسات والتوقعات عن المنطقة، ولهذا حتى مع اختلاف وجهات النظر التي قد تبدو في قضايا ساخنة معينة.. ليس من المفكر فيه شعبيا ورسميا أن يتطور الخلاف إلى أي مستوى آخر، مهما حاولت بعض الكتابات النفخ فيه، وهذه ليست رؤية حالمة، فالسياسة تحكمها مصالح ومرتكزات واضحة وهي في الحالة الخليجية ما زالت أكبر بكثير من كل التناقضات العادية التي تشير إليها بعض الكتابات والتقارير السياسية الإعلامية الغربية، أيا يكن مستوى التعاون الخليجي وتطوراته في أي صورة سياسية واقتصادية.

وما قدم من نقد لتجربة مجلس التعاون بعد أكثر من ثلاثة عقود، وبأنه ما زال بطيئا وبحاجة إلى صيغ تعاون وتقارب أكبر وأسرع، فالواقع أن هذا البطء الذي يراه البعض عيبا قد يكون ميزة، فما حدث فعليا منذ التسعينات أنه تزايدت حالات التقارب الشعبي بين العواصم الخليجية، وأصبحت الرحلات اليومية مزدحمة وتزداد بمعدل سنوي، وهو يتيح للرؤية الرسمية تصور المدى الذي يمكن أن يصل إليه التعاون الذي ينعكس إيجابا على الجميع.



خلال نصف قرن قطعت هذه الدول أشواطا حضارية جيدة لتأسيس كيانها الذي جعلها استثناء في وسط عربي مضطرب ومتراجع اقتصاديا وحضاريا، وقد تميزت تجارب الدول الخليجية بسمات عدة متشابهة في جانب ومختلفة في جوانب أخرى، وهو مما يثري الرؤية للحاضر والمستقبل، فمن الملاحظ تاريخيا خلال العقود الماضية أن كل دولة حدث لها طفرة واندفاعة قوية نقلتها من بنية دولة محدودة الإمكانيات إلى دولة عصرية وبيئة مناسبة للاستثمار. فالتشابه في المواقف والأداء السياسي الخارجي والداخلي بحكم تشابه الأنظمة كان من أهم عوامل الاستقرار الطويل، لكن في التجربة التنموية والتعليمية والاقتصادية وانعكاسها على ثقافة المجتمع فهناك اختلافات واضحة جعلت ما له حساسية اجتماعية في مكان ليس موجودا في مكان آخر، ولهذا ليس هناك ضرورة لصهر التجارب التنموية في بوتقة واحدة، وهذا أحد أسباب العوائق التنظيمية التي أخرت تاريخيا بعض الإجراءات، لوجود اختلاف بين ظروف كل بلد وحجمه وسياقه التاريخي.



أكبر التحديات هي في الجانب الاقتصادي والعسكري والنووي الإيراني والبيئة كمشكلة المياه، فالنجاح الخليجي خلال نصف قرن مضى نتيجة عوامل عدة مرتبطة بسياقها التاريخي، ونوع التحديات يختلف من مرحلة إلى أخرى، ويحتاج إلى تكيف من نوع آخر يناسب المرحلة، فالنجاح الاقتصادي والصناعي لتحقيق تنمية مستدامة، واللحاق بالعالم الأول بحاجة إلى هيكلة وقواعد اقتصادية متينة ليست قابلة للاهتزاز مع أي ظروف دولية وإقليمية. فتجربة النجاح الخليجي التنموية ليست من نوع نجاح النمور الآسيوية، فما زال ينقصنا مقومات كثيرة للاستغناء عن عكاز النفط والتخفيف من الاعتماد عليه، وحتى جوانب النجاح الخدماتية والعقارية عرضة للمنافسة الإقليمية في أي وقت.



نحن اليوم بحاجة إلى تنوع في الخيال لدى النخبة السياسية والفكرية وتصور مسبق لشكل المستقبل ونوعية التحديات، وعندما تطلع على كثير مما يكتب عن دول الخليج داخليا فإنه لا يزال في إطار تمجيد ما تم إنجازه وهو مستحق، لكن أيضا بحاجة إلى قراءات نقدية عميقة في جوانب عدة حتى في المجال الاقتصادي الذي يمثل أقوى النجاحات، ففي كل عقد تبرز تحديات جديدة، وتحولات في الخارطة العالمية الاقتصادية والسياسية، وحتى التحالفات الدولية تتعرض اليوم لحراك عالمي معقد ومربك، وهناك قراءات عربية نقدية متحاملة تسيطر عليها الأمنيات، والخنق من النجاح الخليجي فتحاول السخرية منها، واللمز بعبارات سياسية من بقايا قاموس خطاب مرحلة الفشل العربي.



[email protected]