رهام فراش

استفت قلبك

الخميس - 08 ديسمبر 2016

Thu - 08 Dec 2016

وإذا ما تلوثت روحك بفعل الروتين القاتل، وأحببت أن تمسح عنها الغبار فأصغ لصوت الطبيعة بعض الشيء لموسيقى الأمواج وعزف العصافير للحن الشجر، ستقع في غرام السيمفونية المنسجمة التي تستمع لها فتقطع لك تذكرة درجة أولى وستسافر بك لعالم بعيد قريب من حدودك المشتتة وأشلائك المقطعة، ستعيد اكتشاف ذاتك المنهكة وتلملم بعثرتها وأنت تتأمل الكائنات المتقنة الصنع بيد المبدع، ستأخذ بيدك حتما لنافذة ضوء تهمس لك أن الجمال هنا ما هو إلا انعكاس لروحك التي غطتها ذرات الغبار فحجبت بريقها عنك.



أهد جوهرتك الثمينة بعضا من الوقت المستقطع الهارب من سطوة قوانين الالتزام بقيود البشر واللهاث خلف كل شيء ولا شيء، وجنون قوائم المهام التي لا تنتهي، ودعوات المجاملات الاجتماعية التي تملها ولا تملك ومواعيد تسليم المشاريع التي تكون كفيلة بانهيار الأعصاب واحتساء ملايين الجالونات من الكافيين في محاولة لمواصلة الليل بالنهار لتكون دائما حاضرا وبكامل أناقتك، مرتديا قناع ابتساماتك وملتزما بالموعد..



في وسط هذا الضجيج فقدنا البوصلة والسلام الداخلي، أصبحت الأصوات داخلنا ضجيجا ومهمتنا إعادة ترويضها، تمشيط شعرها وجعلها تعزف بانسجام الأوركسترا، وأنت هناك تواعد تأملك لا تنسى أن تخلع الساعة من معصمك، ألق بها بعيدا بطول يدك، انتقم منها وعاندها، قل لها بمنتهى الصراحة سأستغني بعض الشيء عن خدماتك، سأنام اليوم دون أن أضبط المنبه، سأستيقظ بتوقيت منبهي الداخلي فقط. دع مهمة حسابات الكون تسير بعفويتها، أعط الشمس فرصة دلالك والقمر مساحة ليغازلك بطريقته المجنونة فقط وستدرك وقتها أنه لا قيمة لعداد الثواني إذا كانت دون انسجام وتناسق مع ذاتك.



أنت من يأمرها وليس العكس، أنت سيد كل شيء ولا بد لجسدك أن ينصاع لنظامك، لا أن يفرض عليك غوغائية تقع ضحيتها فريسة لأمراض العصر.



تحرر قليلا من هوس المعرفة بكل شيء، حاول أن تبقى في حالة طفولية لأنها تسهل عليك عملية التواصل والحوار، لأنه في هذه الحالة فقط تنتفي سلطة الحكم على الآخر بناء على عقيدته أو مذهبه.



احذر وأنت تلهث وراء المعرفة أن تتسرع بتبنيها كعقيدة لأنها سرعان ما ستحاصرك وتتحول لقشرة صلبة تغلفك وتعزلك عن الحياة.



أشعل مصباح حدسك، اجعله يتغذى من روحك به، ستدرك معنى الحياة بنكهة الروعة وريشة الجمال وما إن نضج بين ضلوعك حتى يكشف لك أسرار الوجود، يمنحك نعمة الصمت والسكون التي لا يمكن لأحد تعكير صفوها أو حرمانك منها.



لأن الحدس ببساطة يعمل بطريقة نوعية مفاجئة، ولا يتبع أي منهجية أو طريقة، إنه بكل بساطة يرى الأمور على أنها أشياء لم نفكر يوما بإمكانية حدوثها، كالحب تماما بين البشر، فقط الأشخاص أصحاب الحدس العالي يمكنهم رؤية الحب كشيء، وليس فقط كمعنى ومشاعر.



يقال إن المرأة تملك حسا باطنيا أو «حاسة سادسة» وماهي إلا وجه آخر للحدس الذي ما إن أطلقنا العنان له حتى يكون بمثابة المعلم الداخلي الذي حين ينضج جيدا لن نحتاج نصيحة من معلم خارجي (استفت قلبك ولو أفتوك).