وحيد الغامدي

منابر الشك والتشكيك!

الاثنين - 05 ديسمبر 2016

Mon - 05 Dec 2016

خلال الأسبوع المنصرم طالعتنا الأخبار بموقفين لاثنين من خطباء المساجد، أحدهما اتهم عموم أبناء المجتمع وبناتهم اللواتي يلتحقن بكليات الطب، والآخر اتهم بائعي (شاي الجمر) وشكك في دوافع كثير منهم تجاه ذلك الانتشار (المريب) من وجهة نظره.



كلا الموقفين يعتمدان على نمطية في التفكير لم نألف سواها منذ أن وعى جيلنا الدنيا ومن قبلنا بقليل، إنها التربية التي تعتمد على إثارة الشكوك وسوء الظن المطلق، نفس تلك التربية التي نسفت الثقة بين الأخ وأخيه، فبعد أن كانت زوجة الأخ تعد أختا لكل من في البيت، أصبحت من (الموت) بسبب الإفراط في استهلاك أحاديث ثبت لاحقا ضعفها، ولكن بعد أن فعلت فعلها في تسميم الأخلاق والثقة وتربية أجيال لاحقة على ثقافة الشك والتوجس والسعار وإثارة الغرائز بشكل مستمر.



الخطيبان الفاضلان ليسا بأكثر من ملتزمين بأدوات تلك الثقافة وأوفياء لأدبياتها، فحين يوصف كل من يسمح لابنته بتحقيق حلمها في دخول الطب بالديوث وعديم الغيرة، وحين يتم التشكيك في طالبي الرزق ممن ضاقت بهم سبل الرزق واضطروا للوقوف لساعات في الشمس والبرد في سبيل حفنة من الريالات تسد احتياجاتهم، حين يتم كل ذلك، وببرودة ضمير، فهذا لا يعكس سوى أزمة ثقافة متوترة قائمة على زرع سوء الظن في كل شيء. وفي زمن مليء بالتناقضات والمقارنات والاطلاع وذوبان الحواجز بين الشعوب فإن على سدنة تلك الثقافة القائمة من مشايخ ووعاظ ومعلمين ومربين وآباء وأمهات، عليهم، أن يحسبوا جيدا حساب تلك اللحظة التي يمكن أن يتمرد فيها النشء على كامل المنظومة، حين يرى ويسمع ويقارن ويطلع على ما وصل له الآخرون، في حين أن قدميه لا تزالان عالقتين في هذه الثقافة وأدواتها التي تجاوزها التاريخ.



نعم.. لقد خرج من ينكر على هذا وذاك، وبعض المؤسسات الرسمية تبرأت من تلك الأقوال، ولكن هذا لا يعني أن ما قيل هو حديث عرضي طائش، ولم يكن ليحفزني لأكتب مقالا عن أقوال عابرة، بل هو فعليا منهجية تفكير، وأدوات ثقافة قائمة لا تزال الكثير من الفتاوى والآراء والاجتهادات تدعم منطقياتها دون أن يكون هناك جهد تصحيحي ملموس، بل لا تزال الكتب والأبحاث تطبع في تعزيز تلك الأدوات نفسها، والتي أنتجت ولا تزال تنتج أجيالا مهزوزة فاقدة لقيمة الثقة في ذاتها، ومن ثم في غيرها، ولو أقرب الأقربين.



من النتائج الكارثية لهذه الثقافة التي تميزنا بها نتيجة كارثية مرعبة ليست إلا عندنا نحن، فنسب الطلاق التي تبلغ 45% من مجموع الزيجات، وعدد 27 ألف حالة طلاق في 45 يوما فقط، كما طالعتنا الصحف الشهر الماضي، كل ذلك يجب أن يدق ناقوس الخطر قبيل الانهيار الحتمي لقيمة الأسرة في المستقبل، وكل ذلك بسبب ثقافة قائمة تتجاهل عن عمد ما يجري حولها بسبب نرجسيتها المفرطة وإعجابها بأدواتها ومزايداتها اللامتناهية على القيم. والكثير الكثير من أوجه النفاق والدمار الداخلي للفرد الذي يضطر إلى إعلان انتمائه الظاهري للفكرة الشائعة وإبداء الخصومة تجاه الأصوات النقدية؛ بغية تحقيق ذلك الانسجام الظاهري الذي سيغطي على انحرافه الخاص المخبأ. كل ذلك يحتم استبعاد الوعاظ والخطباء المتوترين المأزومين، واستبدالهم بآخرين متصالحين مع ذواتهم أولا، ومتصالحين مع الحياة ثانيا. والبدء بعملية غربلة شاملة لطرائق التربية ونمطياتها في التعليم وفي غيره، والبدء بمحاولة خلق جيل جديد أقل توترا وأكثر ثقة بذاته وبمحيطه، وأكثر قدرة على الانسجام مع الواقع والحياة.



[email protected]