عبدالعزيز الخضر

في نشاط المثقف التسويقي

السبت - 03 ديسمبر 2016

Sat - 03 Dec 2016

فرضت متغيرات التقنية أجواء جديدة وتحولات في القيم والتقاليد التي تحدد ما هو مقبول وما هو غير ذلك في نشاطات متعددة، فما كان غير مقبول في مرحلة ما.. أصبح شطارة في مرحلة أخرى. هناك أنشطة تجارية كثيرة لا تواجه في التسويق عوائق وضوابط تذكر في مجالها، فمهما توسعت بالعمل الدعائي لمنتجها للوصول إلى الجمهور فإنه ينظر إليه كجزء من النجاح في قطاع الأعمال والتجارة، ويشار إلى تجربته التسويقية بإعجاب، مقابل ذلك هناك مجالات معينة مهما حدث فيها من متغيرات ستظل محكومة ببعض الضوابط وأخلاقيات المجال، كالإعلامي والمثقف والطبيب والمحامي والواعظ الديني، وكل مجال له أخلاقياته وأعرافه، وقد تعرضت هذه المجالات إلى تحولات، فالواعظ اليوم ليس هو واعظ الأمس في مستوى الربح وإغراء الشهرة ومردودها المادي عليه، وطريقة تسويق المحامي والطبيب نفسه تجاريا يفترض أنها تختلف عن تسويق أي منتج آخر تجاري، وحركة الصحفي والإعلامي والمثقف ليست مفتوحة بدون أخلاقيات المهنة وحفظ حقوق الآخرين.



مع كل هذه المتغيرات في إعلام التواصل لم يعد أمام المثقف اليوم من خيار إلا الانخراط في هذا المسار وهو ما حدث فعلا، فأصبح التواجد في هذه المواقع ضروريا، ومن لم يقتنع في البدايات، وكتب لسنوات عديدة في هجائها كمناطق تواجد للغوغاء اضطر في الأخير أن ينضم إليها، ويفتح منصة تواصل مباشر مع الجمهور. وهذا التواجد خلال أكثر من عقد ونصف منذ مرحلة المنتديات لدى المثقف المحلي أخذ أكثر من صورة، فأصبح هناك لدينا عدة تجارب يمكن تقييم محتواها، فالواقع أن الذين انخرطوا مبكرا في تسويق ذواتهم أحدثوا إنجازات على مستوى الانتشار ومعرفة الجمهور لهم، حتى وإن كان مضمون إنتاجهم ليس بتلك الجودة، لكن جهود تسويقها في النت أحدث فارقا عن غيرهم، وفي هذه الحالة لا يستطيع القارئ العادي تحديد عنصر التفوق لدى هذا المثقف، هل هو بسبب جاذبية وقوة ما يطرح أم بسبب جهوده الشخصية في نشر إنتاجه من مقالات ومشاركات وغيرها. وقد تحول بعضهم إلى مشاهير ونجوم مواقع تواصل خاصة الذين ليس لديهم أرضية سابقة في مجال جماهيري بطبيعته

كمذيع تلفزيوني، أو كاتب رياضي أو واعظ ديني.



الواقع يؤكد من خلال حركة مواقع التواصل أن أي شخص يبذل جهدا ونشاطا في هذه المواقع، ويقضي جزءا كبيرا من وقته فيها.. سيحصل بمرور الوقت على شعبية أكبر، وإذا كان الشخص العادي الذي لا يملك مقومات كثيرة أصبح بإمكانه الانتشار وزيادة المتابعين عبر هذه المواقع بعدة طرق، فإن المثقف يستطيع أن يحقق أضعاف ذلك بزيادة نشاطه داخل هذه الفضاءات. فمثلا نجد أن دورة نشر المقالة الواحدة لا تعتمد على مضمونها، فكثير من المقالات المميزة في الصحافة العربية تظل مغمورة لعدة سنوات، ولم يقرأها إلا القليل ما لم يتبرع أحد بنشرها في مواقع التواصل، فالواقع يؤكد لنا أن انتشار الكثير من المواد الثقافية والصحفية يعتمد على الجهل المبذول في تسويقها وليس جودة محتواها، ولهذا تنتشر مواد أخرى أكثر بسبب عدة عوامل تسويقية، فالمضمون عامل وحيد من عدة عوامل أكبر، وبعض الكتابات تنتشر فقط بسبب الجهد التسويقي، وقد أدرك نوعية من المثقفين هذه الحقيقة الالكترونية فتخلى عن وقاره، وانخرط في الجهد التسويقي بنفسه، وهذا مجال واسع تشكلت فيه الكثير من الحيل التسويقية وعلاقات عامة.



هذه الجهود تطورت منذ مرحلة الإيميل حيث يقوم بإرسال ما يكتب إلى قروبات كثيرة، منذ اللحظة الذي تخرج فيها مقالته أو الحوار الذي أجري معه، فينزلها في منتديات كثيرة بمعرفه أو معرفات أخرى، وقد يقوم هو بهذه المهمة أو يكلف غيره، وبعد ظهور تطبيقات عديدة تراجع دور الإيميل وأصبح يتم إرسالها عبر الواتس اب وغيره.



أما عالم تويتر فهو بحاجة إلى خبرات ومهارات عديدة.. مع شيء من اللامبالاة بانطباعات نخبة يشعرون بهذه الحملة التسويقية، فيختار عدة أوقات لعرضها وعدة أيام، ويعمل إعادة تغريد لكل من ينزل

مقالاته في حسابه بعد البحث عن اسمه، فيتشجع ويتكاثر الذين ليس لديهم متابعون بهذه الرتويت، ومن يعلق بمديح يكافأ بإعادة تغريد فيتكاثر المعلقون.. الصغار، وقد يعيد تغريد من يهاجمه ليس لأنه رأي آخر، وإنما لأنه يظهر لجمهوره نضاله وأنه مستهدف من الغوغاء، وقد ينزل مقالته بعدة طرق وعناوين واقتباسات، ليتأكد أنها لم تفتك أو كأنه يقول لك «ترى فيه شيء مهم لا يفوتك في المقال»، وهذا التكرار ليس من النوع المقبول وإنما حالة إغراق في حسابه لعدة أيام، وبالفعل تحدث فارقا فيتزايد انتشارها ويكثر إعادة التغريد لها.



وهذه المهارات التسويقية أكثر من أن تحصر، حيث تشكلت عدة طرق للعلاقات العامة والشللية، ومن يرغب بزيادة المتابعين لحسابه فهناك خلطات سهلة يمكن اعتمادها في تحقيق هذا الانتشار عبر عدة مواضيع وتحالفات تجد لها ردود أفعال متضاربة تزيد من حصة الانتشار والحضور. وعرض بعض ما يحدث هنا، ليس دعوة إلى ممارسات مثالية، وتقييدا لحركة المثقف، فمتغيرات الواقع خلقت هذه الأجواء المربكة، لكن مع كل هذا.. هناك حدود معينة يجب أن يستحضرها المثقف، وألا يفرط في حركته بصورة لا يميز فيها الآخرون بين جودة نشاطه التسويقي وجودة إنتاجه.



[email protected]