الولاء والثقة.. بين السياسة والتجريد

الجمعة - 02 ديسمبر 2016

Fri - 02 Dec 2016

كثر مؤخرا الحديث والنقاش عن الولاء والثقة، والقول إن الولاء والثقة مفهومان متطابقان لا فرق بينهما، بل يذهب البعض إلى أن الولاء مفهوم مبطن في الثقة، وأن الولاء ليس سوى استخراج سلبي لمعنى الثقة. شخصيا، أعتقد أن الموضوع ليس بهذه البساطة، وسأقدم مثالا أحاول من خلاله طرح الإشكال بشكل أوضح.



هب أن أحدا ينتمي بصفة تنظيمية إلى حزب سياسي، وأن هذا الفرد يترقب قرب الانتخابات لكنه مع ذلك يواجه تحديا. عند انضمام هذا الفرد إلى الحزب كانت القيادة قيادة يؤمن ويثق بها، مع مرور الوقت، وألعاب السياسة غير المتوقعة، قامت القيادة باختيارات لا يرى صاحبنا أنها صحيحة، أو موفقة، أو مناسبة، في ظل الأوضاع الحالية. بإمكاننا أن نقول باختصار إن ثقته بالقيادة (أي بقدرة القيادة على تحقيق الأهداف المرسومة) الحالية لحزبه مهزوزة أو معدومة.



سيذهب صاحبنا إلى صناديق الاقتراع، وسيكون عليه الاختيار (بما أنه يملك الحق) لحزبه (أي للقيادة التي فقد الثقة بها) أو لأحزاب أخرى. هنا تطرح المسألة فعلا. يتضح من الموقف الموضح أعلاه أن الولاء والثقة أمران مختلفان، وإن كان بينهما ترابط.



صحيح، قد تكون قيادة الحزب مخطئة فيما تفعل، لكن انشقاق عضو من الأعضاء (أي التصويت لأحزاب أخرى) يشكل تهديدا أكبر من وجهة النظر السياسية. قد يكون للقيادة هدف لا يراه صاحبنا ولا ترغب مع هذا في الإفصاح عنه، وهذا يحدث يوميا في عالم السياسة، إلا أنه ليس محور النقاش.



يجب التذكير أن الحديث هنا يتم على مستوى الأعضاء ذوي المسؤولية المحدودة داخل الحزب، أي الأعضاء الذين ما زالوا في أسفل السلم، فلا خيار لهم، إما الوفاء للخيار السياسي الذي اتخذته القيادة أو الانشقاق.



أعتقد أن (خصوصية) الممارسة السياسية لدينا في المملكة العربية السعودية، هي ما يجعل الرؤية السياسية لكثير من الأوضاع تعاني انعداما في النضج، وغيابا تاما للحسبة الاستراتيجية التي ينطوي عليها أمر الثقة والولاء.



يبدأ الولاء عند اهتزاز الثقة. من ينتمي إلى مكان أو مؤسسة أو حزب لأنه يثق فيه ثقة تامة، لم يدخل بعد منطقة الولاء، لأن إرادته في تطابق تام مع إرادة ما ينتمي إليه. الولاء يبدأ عندما يكون هناك تعارض بين إرادتين، إرادة تريد هذا وإرادة تريد ذاك، ما العمل الآن؟ الانشقاق لأن التطابق زال، أم التمسك لأن الهدف، البعيد لا القريب من الانتماء، ليس محدودا بهذا الخيار أو ذاك.



كثير من الحديث الذي تزايد مؤخرا بأن الولاء هو الثقة، هو حديث في سياسة ما قبل التاريخ، يصبح مجال السياسة مجالا لمفاهيم غير سياسية، مفاهيم تتطلب من الفرد تبعية عمياء يتم فيها سحق الذات (أو الكذب عليها) من أجل الحفاظ على الولاء. لا عجب أن يكثر المنافقون في البقاع التي تعاني هذا النوع من الممارسة السياسية.



لا ولاء بدون تعارض، هناك ثقة، والثقة في لحظة معينة من التاريخ وعدٌ بالولاء. أي قلب لهذه على تلك يفتح بابا أوسع للانشقاق، وهو ما ألقى بكثير من شبابنا في أحضان مؤسسات إرهابية، عندما يقال لهم إن الولاء فقط حيث وجدت الثقة.