وحيد الغامدي

المنطق الطائفي.. والمستقبل!

الاثنين - 28 نوفمبر 2016

Mon - 28 Nov 2016

حين ينتشر مقطع فيديو لإنسان يمارس طقوسه المذهبية بأي شكل من الأشكال، ثم تتم السخرية من هذه الطقوس – أيا كانت – فإن هذا من الانحراف عن قيم التعايش الإنساني المفترض بين البشر، بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية.



كما أن من المفترض أن تقف الأجهزة الأمنية بالمرصاد لهكذا تصرفات من شأنها تفكيك النسيج الاجتماعي والوطني، وكلنا أمل في أن تتم المسارعة إلى إقرار نظام مكافحة الطائفية والعنصرية الذي صدر من مجلس الشورى قبل أشهر، وما زلنا في انتظار إقراره؛ من أجل إنهاء هذه الحالة من نشر الكراهية المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد.



العقل الطائفي أو العنصري هو عقل بدائي جدا، ففي حين امتلائه بالتناقضات هو لا يعي حجم تلك المغالطات المنطقية التي يمتلئ بها، فتجده مثلا يصور موقفا معينا لإنسان يختلف عنه في المذهب، ويتناسى أن الكاميرا التي بيده أو السيارة التي يستقلها هي من صنع ذلك البوذي أو الهندوسي الذي يختلف جذريا معه في كل شيء، ولديه من المعتقدات التي يمكن أن تشكل مادة دسمة لشبق الكراهية والعقل الرافض للتعايش بين البشر ما يستغني به لسنوات عن أخيه في الدين المختلف معه في المذهب، ولكنه لا يلتفت للبعيد الذي يحاصره بصناعاته لأن ذهنه منصب على من يشاركه الأرض والانتماء والقبلة الواحدة، في مسلك لا يمكن أن يفسر إلا بأن تلك العقلية هي فعلا بدائية تمتلئ بأدبيات الصراع من أجل التنافس على المشتركات أو (الموارد) كما كان في العصور القديمة، في حين أن العقل (غير البدائي) المتحضر يعلم تماما أن هذه المشتركات أو الموارد يمكن التشارك فيها دون الحاجة لذلك الصراع البدائي الذي تجاوزته أكثر أمم الأرض حين دخلت في عصر الدولة الحديثة الجامعة لكل التنوعات.



لا تزال هذه الفوضى من الكراهية في مواقع التواصل تثير التساؤلات عن المستقبل وعن آلية الانتقال الحضاري والتحول الطموح الذي لم يواكبه إلى الآن تحول ملموس في مستوى ضبط بعض السلوكيات اللامسؤولة.



التزييف قد بلغ أقصى نقطة يمكن له أن يبلغها مع الأسف، فهذا أحد الكتاب، والمسؤول الإداري لأحد الأندية الأدبية وعضو في مجلس ذلك النادي الأدبي، يلمز برجل أعمال من المنطقة الشرقية كتب إعلانا ترحيبيا بمقدم خادم الحرمين الشريفين للمنطقة الشرقية، لم يجد سوى أن يقول: إن هذا الإعلان الترحيبي مكتوب بالخط الفارسي! المهم هو استغلال أي شيء يمكن من خلاله ربط بعض سكان تلك المنطقة بالفرس وإيران! فإلى أين وصلنا؟ وإلى أي حد بلغ هذا الإسفاف؟



يركز الخطاب الطائفي على استحضار الأزمات السياسية الطائفية في مناطق الصراع، فتسمع مثلا عبارة (هذا ما يفعلونه بإخواننا في العراق وسوريا)، وهنا نتساءل بوضوح: وما شأن إخوة الوطن بما يجري هناك؟ وهل هم مسؤولون عن ذلك؟ ولكن هذه هي نتائج التربية على مفاهيم (الأمة) والمفاهيم القافزة على منطق الوطن الجامع، وبعد سنوات من شيوع عبارة (الوثن، والوثنية) التي يوصف به الوجدان الوطني نكتشف أن الأمة في وعي تلك المفاهيم العابرة للحدود لم تكن أكثر من الجماعة الطائفية أو الحزبية الضيقة، وليست أمة الإسلام بكامل مذاهبها واختلافاتها.



هذه الأيام يقيم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ورشة عمل بعنوان (صناعة المبادرات المجتمعية في التعايش المجتمعي والتلاحم الوطني)، أتمنى أن يكون من ضمن المخرجات توصيات جادة بإنهاء هذه الفوضوية في توزيع قيم الكراهية، والبدء بالتعليم والمساجد حيث يشكلان مغذيات البث التوعوي التي استخدمت فيما سبق، وآن لها الآن أن تعود إلى الرشد المفترض في رسم ملامح المصير المشترك، والاستفادة من دروس دول الجوار.



[email protected]