هبة قاضي

محلقون خارج السرب

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 27 نوفمبر 2016

Sun - 27 Nov 2016

منذ فترة وأنا أشعر بعدم الراحة تجاه ما أكتب. جزء من الموضوع هو إحساسي بأن ما أكتبه ليس رنانا وقويا كفاية على مستوى الأوضاع السياسية والمشاكل المحلية. والجزء الآخر هو شعور بالغرابة حين الكتابة عن الاجتماعيات والفكر والوعي والمتعة في وسط يركز صناع المحتوى فيه على مواضيع الدين والمحليات أو السخرية والنقد. فتبدأ في الشعور بالغرابة مع نفسك، وبأنك منفصل عمن حولك، ويصبح المجال مفتوحا للشك والحيرة.



ولكن أليست هذه معضلة كل العصور منذ بدء الخليقة؟ أليس الشك والحيرة هما الرفيقان الدائمان للمفكرين والمغيرين على مدى التاريخ؟ أوليس ذلك طبيعيا في مجتمعات ما زالت تمارس الكثير من الأشياء بطرقها القديمة رغم أنها أثبتت فشلها وتأخرها عن الركب لمجرد أن هذا ما اعتادت عليه. أوليست خطب الجمعة في طريقتها ومحتواها وأسلوبها متأخرة عن ركب العصر ولكن رغم إثباتها العجز عن التأثير الإيجابي ما زالت مستمرة كما هي ليومنا هذا. أوليست طرق الإدارة القديمة وبروتوكولات التعامل المفرطة في التعظيم والمجاملات كانت وما زالت سببا في تأخر التطور وعرقلة الإنتاج ولكنها مستمرة في مؤسساتنا ودوائرنا الخدمية. أوليست طرق ووسائل التشريع والتحكيم القديمة وغياب قوانين الأحوال الشخصية المواكبة لظروف العصر هي السبب في ما نعانيه من مظالم وعرقلة للتطوير، ورغم ذلك ليس هناك من يجرؤ على الحسم والخروج بنا من سراديب العصور المظلمة إلى فتوحات عصر المعرفة والعدالة الاجتماعية. لذا من الطبيعي أن يشك المختلف في نفسه، ويحتار المطور في أمره، ويشعر صاحب المعرفة برغبته في الهجرة.



إن التغيير الحقيقي نحو الأفضل لا يحصل إلا حين نمتلك الجرأة والشجاعة الحقيقية على فعل المألوف والمتوقع والنمطي بطريقة جديدة وغير متوقعة. هو في قدرتنا على البقاء في حالة صدق وتصالح مع أنفسنا رغم كل الإملاءات والضغوط، وأن لا نسمح للظروف والأجندات بأن تسيطر علينا وتسيرنا نحو ما تريد.



هي قدرتنا على اتخاذ موقف واضح وتكوين وجهة نظر مستقلة حتى وإن كانت معارضة. هي في الثقة في أنفسنا وإن كنا مختلفين، وفي قدرتنا على الطيران وإن كان خارج السرب، وفي إدراكنا لواقع أن علو صوتنا ليس الطريق الوحيد لجعلنا مسموعين، فنحن في عصر البقاء فيه هو للأكثر نفعا، الأكثر صدقا، والأكثر تأثيرا في العقول والقلوب.



[email protected]