مفلح زابن القحطاني

الانتهازية التي لا تليق

الاحد - 27 نوفمبر 2016

Sun - 27 Nov 2016

[email protected]

شخصيا أنظر بقدر كبير من الشك والريبة إلى أولئك الذين يقفون ضد مؤسساتهم، وترتفع أصواتهم خارج أسوارها، ويسيئون إليها حين يجعلون منها مادة إعلامية، ويزداد شكي وريبتي وانزعاجي وألمي المشوبة بقدر كبير من الاستغراب حينما يسارع هؤلاء، ودون أي مقدمات أو محاولات صادقة وجادة للإصلاح، إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والجماهير الكبيرة التي تحظى بها هذه الوسائل، فيشكلون انطباعات معينة غير واقعية في أغلبها، ويتناولون القضايا من أطرافها دون وعي، ويشوشون على المتلقي بطريقة لا تخدم المصلحة العامة، ولا تحقق الأهداف المرجوة ولا تعكس الواقع.

أفرق بين التعبير عن الرأي واستغلال الموقف، وأدرك أن الإعلام سلاح قوي يمكن من خلاله الإصلاح والمعالجة وإعادة الأمور إلى إطارها الصحيح، لكنني أدرك أيضا أن بين ظهرانينا وفي داخل مؤسساتنا من امتلأ انتهازية، ومن يحاول تكييف الأمور لمصلحته الخاصة.

وبالنظر إلى ما طالعناه في صحفنا حول الحملة الموجهة ضد جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن حول العرض المسرحي في مركز المؤتمرات بالجامعة، أكاد أكون متأكدا أن شريحة كبيرة من المشاركين لم يعلموا به ولا يعرفون حقيقته، بل في ظني أن جزءا كبيرا منهم لا يعلم شيئا عن جامعة الأميرة نورة، لكنها ثقافة المجموعة (معهم معهم عليهم عليهم).

الوسوم التي تمت حول الموضوع شارك فيها بعض منسوبات الجامعة – ربما دون أن يعلمن بحقيقة الأمر أو يستفسرن عن واقع هذا العرض المسرحي، وفي نظري أننا قبل أن نخطئهن يجب أن نسائلهن: هل تم التواصل مع الجامعة لمعرفة حقيقة الأمر؟ وهل تم إيضاح الأمر ووجهة النظر لمسؤولات الجامعة؟ وهل كان اللجوء إلى هذه الوسائل الصاخبة والمؤججة آخر المحاولات بعد استنفاد جميع الوسائل والأساليب؟ وحين تم الطرح عبر هذه الوسائل هل تم بوعي وعقلانية واتزان أم تم باندفاع وتجاوز للحقائق؟

وبعيدا عن جامعة الأميرة نورة، أعتقد أن كثيرا من «المدرعمين» عبر وسائل التواصل الاجتماعي استسهلوا الأمور، فصار بعضهم لا يقدر الكلمة ولا يعرف معنى المسؤولية، وإلا لكان الأمر أكثر تأنيا ووعيا وتحريا للحقائق، ولبدأت خطوات التصحيح من مسؤولي المؤسسات باختلاف مستوياتهم، وهناك من الآليات والأطر والإجراءات النظامية واللائحية والإدارية ما يمكن أن يحقق الهدف ويفي بالغرض بعيدا عن التشويش والتأجيج.

الأكاديميون في هذا السياق هم أكثر مسؤولية، ويجب أن يكونوا أكثر وعيا واتزانا، وإذا لم يكن للتجربة العلمية والمنهجية ظلال ترسخ في سلوكيات هؤلاء أن الهدف أسمى والمؤسسة الأكاديمية أغلى وأعلى، وأن معاقل العلم أهم وأسمى من أن تكون كبش فداء بسبب تسرع أو اختلاف في الرأي ومادة لمن هب ودب على وسائل التواصل الاجتماعي، فتلك مشكلة، ويبدو أن هذه الاعتبارات لم تكن حاضرة في أذهان هؤلاء للأسف وفق ما أكدته الأحداث في عدد من الجامعات خلال الفترة الماضية.

المتلقي أيضا جدير بأن يميز الأمور وأن يدرك أن كثيرا من غثاء وسائل التواصل ليس سوى إفراز لخلافات واختلافات كان يجدر ألا تتجاوز مكانها، وألا توظف ويجيش لها الجمهور المندفع تارة تحت عنوان «التطوير» وأخرى تحت راية «مكافحة الفساد».