نافورة التعليم

الجمعة - 25 نوفمبر 2016

Fri - 25 Nov 2016

سعادة البروفيسور الذي يبلغ من العمر ستين عاما يتحدث عن سيرته الذاتية لطلابه، ويوضح لهم أنها مليئة بالمصاعب والمتاعب والهموم والغموم، وأنه لم يصل إلى هذه الدرجة العلمية إلا بعد كدح وكد، وجذب وشد، وجزر ومد؛ فذاك أستاذه الذي كان يأمره بإحضار بحث كل يوم أو يومين، وذاك دكتوره الذي لم يحدد للمادة منهجا بل جعله يتوه بين المكتبات والكتب ليؤلف المادة بنفسه، وذاك أستاذ آخر جعله يسافر للصين ليبحث عن معلومة في سطر من صفحة في كتاب لا يوجد إلا هناك، وذاك وذاك.. وما إلى هناك، مستشهدا بقول المتنبي:



تريدين لقيان المعالي رخيصة

ولا بد دون الشهد من إبر النحلِ



وقول الآخر: لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا



وقول أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر



سعادة البروفيسور لا يسوق سيرته الذاتية للتسلية، ولكن لقناعته أنه لن يصل أحد إلى مستواه إلا بنفس الطريقة التي وصل بها هو؛ ولذلك قال لطلابه بعد أن انتهى من سرد قصته: عليكم أن تبدؤوا مثل ما بدأت لتنتهوا مثل ما انتهيت! ليعزز بذلك الفكرة المعشعشة في جامعاتنا وفي مدارسنا كعشعشة العصافير في نوافذ البيوت المهجورة.



فكرة كأنها خاصية النسخ واللصق في برنامج الوورد؛ حيث تقوم بإخراج نسخ متكررة من البشر لا جديد لديهم، جامدين كجمود من سبقهم، ليس بينهم فرق سوى في موضات الحلاقة.



ماذا يا بروفيسور لو أعطيتهم خلاصة تجربتك، وجعلتهم يبدؤون من حيث انتهيت؟! ستوفر عليهم الوقت والجهد اللذين سيستثمرانهما في التطوير والابتكار والبحث عما هو جديد، وعندما يصلون إلى نفس درجتك العلمية سيصبحون أساتذة حقيقيين لا أساتذة مزيفين.