الفلسفة.. والتفسير الفاشي للنصوص

الخميس - 24 نوفمبر 2016

Thu - 24 Nov 2016

واضح من العنوان أنه يستقي فروقات واضحة بين الفيلسوف والمفسر الفاشي، فالأخير يقوم بتأويل النصوص الدينية في نطاق الإطار المعرفي العقائدي الدوغمائي، في نطاق الحقيقة المطلقة التي لا يقبل مناقشتها بل ويفرض تأويله واستنباطاته بشكل مستبد على من يستقي مفاهيمه خارج الإطار الذي من خلاله يتم فهم النصوص، بينما، تتمتع الفلسفة في مجملها بالروح النقدية، وتتمتع أيضا بعرض جميع العلوم والنظريات والمفاهيم، ليتم عرضها لمجرد الاكتفاء بالعرض، ويتم نقدها إن استدعت الحاجة إلى النقد.



إن مفهوم الفلسفة يضع الإنسان المجتهد في خانة أنه مهما بلغ من العلم والاجتهاد يكون في ظل (الاجتهادات البشرية) اجتهادات قابلة للتصويب والتخطئة، وفي صحيح البخاري ومسلم «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد»، ولذلك كان الشافعي يدرك تماما خطر التفسير الفاشي على الفقه الإسلامي الأصيل عندما قال «قولي صواب محتمل الخطأ، وقول غيري خطأ محتمل الصواب». فمن خلال السياق نجد النص يستخرج مفهومين ساميين لا ثالث لهما أحدهما احتمال الصواب والآخر احتمال الخطأ وكلاهما لا يلغيان رأي الآخر المختلف، ولا يفسدان في الود قضية.



إن الفقه الإسلامي الأصيل ليس فاشيا ولا متفشيا، فاختلاف أهل العلم من الفقهاء والمفسرين أمر بديهي وجلي لا يحتاج إلى دليل، وبما أن هذا الفقه الأصيل ينعم بمساحات كبرى لدائرة المباح، أكبر بكثير من دائرة الإلزام، بدليل نص صحيح صريح للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فدعوه». فكيف يتسيد الفاشية والفاشيون بعد هذا الحديث الشريف مكانا محوريا في أروقة مقاصد الشريعة العظمى؟ كيف ذلك وهم يدخلون هذا ويخرجون ذلك من الملة والعقيدة على حسب تأويلاتهم؟ وكيف ذلك وهم بمجرد أن يجيز شيخ الموسيقى أو قيادة المرأة للسيارة يتهمونه بالليبرالية!؟ ولا سيما أساسا أن الليبرالية ليست بتهمة، بل هي مقاصد سامية، ولكن باعتبار أنها تدون من قبل الحراك الفاشي – ضمن- التهم لسهولة تصنيف مخالفيهم من المشايخ أو المثقفين، والنيل منهم لإقصائهم وإبعادهم من الجماهيرية التي يحظون بها، تكون بالنسبة لهم تهمة في سياق الإدانة.



يرى الدكتور والباحث المعروف عبدالجبار الرفاعي أن التفسير الفاشي للنصوص الدينية، لا يمحق فقط جمال الدين ورحمته وسلامه، بل ويصفه بأنه يتولد من رحمه موجة إلحاد تقوض الدين من داخله. وهو يعني بذلك «التفسير الذي يشمل القراءات والتأويل بالمعنى المصطلح» فما يتفق عليه في تأويل نص ديني بعينه في مذهب معين، ليس بالضرورة أنه يوافق تأويلا في كافة المذاهب الأخرى، إضافة إلى ذلك، أن الفاشيين الحركيين بالمعنى الحقيقي من المفسرين والفقهاء لا يراهنون فقط في مطلق الانتماء للفرقة الناجية، أو كما يصفها فيلسوف الطب ابن سيناء «بلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم»، بل إن بعضهم يذهب ويتجرأ في تكفير وتدجيل أهل العلم العلماء من مذاهب مختلفة، فلا يكترث ولا يبالي بالعلماء وأهل العلم مهما بلغوا من العلم والاجتهاد، ومهما أفادوا الأمة ليبقى الصراع الطائفي الفاشي بينهم هو سيد الموقف وتبقى سطوته في الضمور «إن لم تكن معي فأنت ضدي».



إذن، وبعد تجليات الخطاب الفاشي المتزمت، يجب أن تتجلى روح نقدية وثقافة تعددية وخطاب متسامح، تنبذ ثقافة الآحاد وتستنبت ثقافة مغايرة، وينبغي على الفاشيين أن يفهموا طبيعة ومفهوم هذا الخطاب بأنه خطاب بشري متوازن لا ينتمي إلى أي فئات أو تيارات أو قوى خارجية، وإنما هو لمصلحة الأمة ونهضتها وكينونة أصالتها، فلا تنهض الأمم والمجتمعات إلا بكبح مؤسسات التطرف ورموزهم، وإلجام نظرياتهم وتأويلاتهم، ولا يعد إطلاق صفة «الفاشية» على الجماعات المتطرفة والإرهابية بالشيء الجديد، بل إن الحياة الثقافية والإعلامية، وخاصة الإعلام الجديد عبر التواصل الاجتماعي، أثبت مغالاتهم ضد المشتركات الثقافية، نعم، إنها الأيديولوجيا الفاشية، فهي ليست سحابة صيف في ظل غياب تدريس الفلسفة وإدراج مناهجها في التعليم التربوي، فالحاجة إلى إنقاذ الأجيال القادمة من دهاليز التطرف والغلو هي الحاجة للتعرف على عالم جديد، والقطيعة بعلاقات التصادم مع الثقافات الحية، ثقافات الشعوب المتقدمة. فالباحثون بالعلوم الفلسفية، أثبتوا أن الطريق الأمثل والأنجح للقضاء على التطرف وأفكاره، يتمثل في إحياء علوم الفلسفة.