هل وزارة التعليم قادرة؟
الثلاثاء - 22 نوفمبر 2016
Tue - 22 Nov 2016
أعلنت وزارة التعليم قبل أيام عن أنها تسعى لتحصين الشباب وحمايتهم من التيارات الفكرية التي ترى الوزارة الموقرة أن التحصين واجب منها، وحددت مجموعة من الأنظمة التي تسود العالم اليوم مثل العلمانية والليبرالية، والأفكار التي تريد أن تحصن الشباب منها وعينتها بالاسم، وعندما سمعت الخبر الجديد عن التحصين تداعى إلى ذاكرتي سيل من أدبيات هذه الكلمة (التحصين) منذ زمن بعيد، واستعدت تاريخ المقالات التي بدأنا التعليم بها وكأن الزمن يعيدنا إلى حيث البداية الأولى، تلك الأدبيات جاءت حين واجه بعض المتشددين التعليم بمواقف متحجرة ومحافظة تتوجس من التعليم النظامي خيفة آنذاك، وتقف بشدة ضده فكانت حيلة المسؤولين لتمرير فكرة التعليم وتجاوز اعتراض المعترضين أن الشباب لن يتركوا دون عناية وتحصين كاملين يضمن أمن الشباب الفكري والمعرفي، كان هذا القول في زمنه ووقته ممكنا ومقبولا، ممكن لأن الوسيلة المتاحة للشباب في ذلك الوقت كانت هي الكتاب الذي يحمل الفكر ولا شيء غيره متوفرا للناس في حينه، وفي استطاعة القائمين على العملية التعليمية التحكم في ما ينشر وما يقرأ وما يقرر في مناهج الدراسة، ومقبول لانعدام وسائل التواصل الأخرى التي طرأت بعد ذلك.
ومع أن تجربة التحصين المذكورة أعلاه قد جرت العملية التعليمية والشباب والأمة كلها إلى نموذج واحد ونمط رتيب من التصور لوظيفة التعليم، وكانت نتيجة الإسراف في التطبيق أن انزلق التعليم إلى ما أصبح يعرف بزمن الصحوة حين تمخضت جهود المحصنين للشباب عن الرؤية الحدية الواحدة التي لا تقبل التعدد ولا تتعامل مع المختلف إلا بالتجريم والإبعاد والتصلب، وكانت جناية ذلك ونتيجته ما آلت إليه الأمور من نمو التطرف والطائفية وانشطار المجتمع الخطير الذي ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم، والبعد عن التسامح وقيام الأدلجة التي ما كانت تعرفها مدارسنا ولا عاداتنا وقيمنا ولم نعهدها من قبل.
اليوم وقد قطعنا ستين سنة من التعليم (المحصن) نجد أن الوزارة تعيد القول بتحصين الشباب مرة أخرى، وتحذر من أنظمة عالمية لا تستغني أي دولة ولا مجتمع من الأخذ من تلك الأنظمة شيئا وتدع أشياء، فإن الوزارة في هذه الحال تعيد العملية التعليمية إلى المربع الأول، وإلى النتائج المرة التي جربناها من قبل، وقد أربكت التعليم وحولت الطلاب إلى الحفظ والتلقين والرتابة في الفكر والفهم، وأهم من ذلك أن ما أحدثه التطور التقني والتواصل المعرفي لن يستطيع أحد التحكم به، ولا منعه من الانتشار، وليس الوقت وقت الانكفاء وإغلاق الأبواب ورفع الأسوار مهما كانت عالية، فالجهاز الجوال الذي يحمله كل طالب بيده ينقل إليه ما في العالم من أفكار وقيم بشرية ومعارف عالمية، ويقرأ فيه ما أنتجه الفكر الإنساني في مشارق الأرض ومغاربها، لا يمنعه أحد مما يريد ومما يصل إليه، ولا يمكن أن يتحكم فيه إلا وعيه وإدراكه، والأصلح ليس التحصين ولكن تربية الشباب تربية علمية صالحة على الاستقلال، وترك الخيار له فيما يأخذ وفيما يدع مما تقدمه وسائل التقنية الحديثة المتجددة في مجال العلم النافع.
وفي النهاية فإن السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه قبل أن نناقش رأي الوزارة هو هل هي جادة بعزل طلابها عن العالم من حولها، وتحصينهم وإغلاق منافذ الأثر والتأثير عليهم من كل التيارات التي ذكرتها بالاسم، وجعلت التحصين منها واجبا كما تريد، ثم هل هي قادرة على ذلك إن أرادت. إن كانت تعني ما تقول وتريد أن تحصن الطلاب، فأنا أؤكد أنها لا تستطيع وأن محاولتها ستعيد التصنيف البغيض الذي كانت نتائجه وخيمة على الناس وعلى العلم والتعليم إلا إذا استطاعت أن تغلق الهواء والسماء وليس ذلك باستطاعتها على كل حال.
السؤال غير المفهوم جوابه لماذا أقدمت الوزارة على هذه الخطوة، ولمن توجه خطابها الذي يمنع طلابها مشاركة العالم المعارف العامة التي تسود اليوم. أليس الأولى بها أن تكون مناهجها وما تقدمه لطلابها هما الحصانة الحقيقية الفاعلة دون أن تطلب المنع وتعلنه، المعارف أصبحت سائلة لا تدري من أين تحجبها، والثقافات المعاصرة التي نعيشها ترشح من مسام دقيقة ومتدفقة في كل ما نرى ونقرأ.
ومع أن تجربة التحصين المذكورة أعلاه قد جرت العملية التعليمية والشباب والأمة كلها إلى نموذج واحد ونمط رتيب من التصور لوظيفة التعليم، وكانت نتيجة الإسراف في التطبيق أن انزلق التعليم إلى ما أصبح يعرف بزمن الصحوة حين تمخضت جهود المحصنين للشباب عن الرؤية الحدية الواحدة التي لا تقبل التعدد ولا تتعامل مع المختلف إلا بالتجريم والإبعاد والتصلب، وكانت جناية ذلك ونتيجته ما آلت إليه الأمور من نمو التطرف والطائفية وانشطار المجتمع الخطير الذي ما زلنا نعاني من آثاره إلى اليوم، والبعد عن التسامح وقيام الأدلجة التي ما كانت تعرفها مدارسنا ولا عاداتنا وقيمنا ولم نعهدها من قبل.
اليوم وقد قطعنا ستين سنة من التعليم (المحصن) نجد أن الوزارة تعيد القول بتحصين الشباب مرة أخرى، وتحذر من أنظمة عالمية لا تستغني أي دولة ولا مجتمع من الأخذ من تلك الأنظمة شيئا وتدع أشياء، فإن الوزارة في هذه الحال تعيد العملية التعليمية إلى المربع الأول، وإلى النتائج المرة التي جربناها من قبل، وقد أربكت التعليم وحولت الطلاب إلى الحفظ والتلقين والرتابة في الفكر والفهم، وأهم من ذلك أن ما أحدثه التطور التقني والتواصل المعرفي لن يستطيع أحد التحكم به، ولا منعه من الانتشار، وليس الوقت وقت الانكفاء وإغلاق الأبواب ورفع الأسوار مهما كانت عالية، فالجهاز الجوال الذي يحمله كل طالب بيده ينقل إليه ما في العالم من أفكار وقيم بشرية ومعارف عالمية، ويقرأ فيه ما أنتجه الفكر الإنساني في مشارق الأرض ومغاربها، لا يمنعه أحد مما يريد ومما يصل إليه، ولا يمكن أن يتحكم فيه إلا وعيه وإدراكه، والأصلح ليس التحصين ولكن تربية الشباب تربية علمية صالحة على الاستقلال، وترك الخيار له فيما يأخذ وفيما يدع مما تقدمه وسائل التقنية الحديثة المتجددة في مجال العلم النافع.
وفي النهاية فإن السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه قبل أن نناقش رأي الوزارة هو هل هي جادة بعزل طلابها عن العالم من حولها، وتحصينهم وإغلاق منافذ الأثر والتأثير عليهم من كل التيارات التي ذكرتها بالاسم، وجعلت التحصين منها واجبا كما تريد، ثم هل هي قادرة على ذلك إن أرادت. إن كانت تعني ما تقول وتريد أن تحصن الطلاب، فأنا أؤكد أنها لا تستطيع وأن محاولتها ستعيد التصنيف البغيض الذي كانت نتائجه وخيمة على الناس وعلى العلم والتعليم إلا إذا استطاعت أن تغلق الهواء والسماء وليس ذلك باستطاعتها على كل حال.
السؤال غير المفهوم جوابه لماذا أقدمت الوزارة على هذه الخطوة، ولمن توجه خطابها الذي يمنع طلابها مشاركة العالم المعارف العامة التي تسود اليوم. أليس الأولى بها أن تكون مناهجها وما تقدمه لطلابها هما الحصانة الحقيقية الفاعلة دون أن تطلب المنع وتعلنه، المعارف أصبحت سائلة لا تدري من أين تحجبها، والثقافات المعاصرة التي نعيشها ترشح من مسام دقيقة ومتدفقة في كل ما نرى ونقرأ.