الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار

الاثنين - 21 نوفمبر 2016

Mon - 21 Nov 2016

كان «ونستون تشرشل» رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية رجلا داهية بكل المقاييس، وعلى الرغم من أنه كان يعاني من لثغة وتلعثم أثناء الحديث، إلا أنه استطاع بحنكته وذكائه التغلب على تلك العقبة، مما جعل خطاباته العامة ملهمة للجماهير.



ولا يعني هذا أن طريقه كان مفروشا بالورود فقد خسر «تشرتشل» العديد من الانتخابات العامة التي خاضها، حتى فاز بعد أن تجاوز الـ62 من العمر برئاسة وزراء بريطانيا، ولم يكن رئيسا للوزراء فقط، فقد كان قبل ذلك جنديا وقائدا، وفوق ذلك أديبا ومؤرخا لا يشق له غبار، أكد ذلك بفوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1953.



وعلى الرغم من تاريخه الناجح، وقيادة بلاده لتحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية ومواجهته لكثير من التحديات والصعوبات، إلا أنه كغيره من الناجحين كان يواجه داخل مجتمعه جيشا من الأعداء الذين يتحينون الفرصة لإسقاطه وتشويه إنجازاته والقضاء عليه، وبالفعل نال أعداؤه شيئا من النصر عندما حشدوا ضده الجماهير ليسقطوه في انتخابات 1945، لكن «تشرشل» لم يستسلم للهزيمة، وقال كلمته الشهيرة التي سجلها التاريخ «إن الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار».



بعد ذلك أصبح «تشرشل» زعيما للمعارضة فحشد أنصاره، وخاض انتخابات 1951 وفاز بها، وعاد لمنصبه السابق كرئيس للوزراء مرة أخرى، حتى تقاعد بملء إرادته عام 1955، بعدما نقش اسمه في أفئدة الإنجليز.



قصة نجاح «تشرشل» قد يقرؤها البعض دون الانتباه للتفاصيل والأحداث العابرة والمواقف اليومية التي رواها في مذكراته، تلك المواقف التي ترسم ملامح النجاح، وتبين ما يواجهه الناجحون في حياتهم من مواقف وحروب يومية شرسة من أعداء النجاح الحقودين داخل مجتمعهم.



ومن تلك المواقف التي رواها «تشرشل» في مذكراته أنه كان في اجتماع مع قادة وسياسيين في بلاده وكان من بين الحضور أحد ألد أعدائه وأكثرهم غيظا منه، وأثناء صعود «تشرشل» السلم تصادف أن كان ذلك الرجل نازلا، ولأن السلم كان ضيقا ولا يتسع لمرور كليهما في ذات الوقت، كان يجب أن يفسح أحدهما المجال للآخر، وقف الرجلان في منتصف السلم والعيون ترقب تلك الحرب الباردة، والتساؤل والفضول يملأ النفوس، أيهما سيفسح للآخر ويسمح له بالمرور وببساطة وهدوء قال «تشرشل» للرجل: هلا أفسحت لي الطريق كي أصعد..؟! فوجدها خصمه فرصة ذهبية للانتقاص منه وإهانته، فقال بتحد: لا فأنا لم أتعود أن أفسح الطريق للكلاب..!



ابتسم «تشرشل» وهدوؤه لم يفارقه، ثم أفسح الطريق للرجل وهو يقول: أما أنا فقد تعودت على ذلك!



إن دفاعك عن مبدأ، أو قيمة، أو فكرة تؤمن بها لن يجلب لك الثناء والتصفيق والاحتفاء فقط، بل سيجلب لك أيضا العداوة والبغضاء من الأطراف الأخرى، فهناك صدور منطوية على الحقد والحسد والعداوة، متخفية تحت ستار النفاق والخداع، لن تنطفئ نارها إلا إذا انطفأت شمعة نجاحك.



إن نجاحك سيتعب البعض، ويحرق قلوبهم، ويجر عليك الأعداء، ويجعلهم متحفزين للنيل منك وإهانتك في كل مكان، وفي أي وقت، وبكل الوسائل، لكن لا تتعب نفسك بالرد عليهم، أعرض عنهم، وتجاهلهم، ولا تنجر إلى أسلوبهم، فأمثال هؤلاء – وهم كثر في حياتنا – يجب أن نفسح لهم الطريق ليمروا، بعد أن يفرغوا ما في صدروهم من غل وحقد وعداوة، وتأكد أن مشاركتهم الإساءة هو أكبر انتصار لهم.



تلك سنة كونية لا تقبل النقاش والجدال، يكفيك أن تقلب صفحات التاريخ لتقرأ شواهدها في حياة الأنبياء والرسل والعلماء والمفكرين.