الموقف.. من مواقف الإعلام!
السبت - 19 نوفمبر 2016
Sat - 19 Nov 2016
بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية تعددت العناوين حول الإعلام من نوع: ترامب.. وسقوط الإعلام، ترامب يلقن الإعلام الأمريكي درسا قاسيا، ترامب يطيح بهيمنة الإعلام الأمريكي، وكالعادة فارق محدد من الأصوات يسمح للبعض بإطلاق استنتاجات كبرى، ويعلن النهايات التاريخية. هذا النوع من الرأي سينقلب هو على نفسه بعد فترة ليتحدث عن الإعلام وسيطرة مؤسسات كبرى عليه وقدرتها على صناعة الرأي العام، وينسى ما قاله في هذه الحفلة الموقتة والقصيرة. ويبدو اليوم الحديث عن دور الإعلام الجديد مقارنة بالإعلام التقليدي، أحد الإشكاليات التي تأخذ طورا مختلفا في كل مرحلة.
تبدو الانتخابات الأمريكية فرصة جيدة لتأمل بعض المستجدات في الإعلام ومواقفه وأخلاقيات المهنة والمصداقية، وهي تحليلات تستقر في الذاكرة وتقارن مع كل مرحلة سابقة.
الجديد في هذه الحالة وغير المسبوق، هو الانحياز الفاضح لمرشح على حساب آخر، وهو انحياز ليس من النوع الذي يستنتج استنتاجا، وإنما معركة صريحة بين طرفين جعلت المرشح ترامب يتهم هذا الإعلام أثناء حملته بتشويهه والتزوير، واختلط هذا الدعم لهيلاري كلينتون مع التوقعات بفوزها، واستسلم الجميع لهذا التوقع، حتى إن مجلة «نيوزويك» طبعت آلاف النسخ وعلى غلافها فوز كلينتون قبل إعلان النتيجة. وهناك صحف لها تاريخ ممتد لقرن ونصف أعلنت تأييدها للمرشحة الديمقراطية، وقد أيدت أكثر من 200 صحيفة كلينتون، بينما حصل ترامب على دعم أقل من 20 صحيفة، وحتى اليهود الأكثرية منهم صوتت لكلينتون.
تبدو أهمية ما حدث أنه كسر أنماطا ذهنية تقليدية متعددة، وهشم الوعي الجامد في رؤية المؤثرات والمتغيرات، لكن خطأ مبالغات الماضي في استحضار دور الإعلام في الفوز لا يختلف عن وهم البعض بنهاية هذا التأثير وإعلان سقوطه، فهذا الفارق المحدود في الفوز يجب ألا يحول الصورة إلى رؤية تنسف قيمة وأهمية المؤسسات الإعلامية ودورها الذي ما زال مستمرا خاصة في الغرب، ويتجاهل وجود عوامل أخرى أدت إلى هزيمة المرشحة الديمقراطية. هذه العوامل حقيقية يعرفها الناخب الأمريكي جعلته يفضل ترامب، فالإعلام مهما كان حجمه وقوة حضوره لن يكون قادرا على إخفاء بعض الحقائق عن أداء الحزب الديمقراطي وتجربته خلال الثماني سنوات الماضية.
والسؤال الأهم الذي يستحق حوارات مهنية، ما هو الموقف من مواقف الإعلام في هذه الحالة، وكيف يتم تقييمها، خاصة تلك التي أعلنت صراحة تأييدها لمرشح دون آخر، فما حدث هو إشكال في عمق القيم الإعلامية وأصول المهنة، وهل يمكن التخلي عنها في بعض الحالات، تحت أي مبرر بمثل هذا المواقف المكشوفة!؟ القضية هنا ليست هل يوجد إعلام محايد أم لا، فالميول والاتجاهات قضية أخرى، فالذي حدث كان خارج مسألة الميول المخفية، وإنما في المواقف الصريحة. وهل ستختلف الرؤية لهذا الموقف فيما لو حدث العكس، ووقف الإعلام لصالح ترامب! من المتوقع أن يرفع البعض أصواتهم بالحديث عن الفساد وسطوة المال، ويتم تحميل هذا الإعلام المقولات العنصرية وكلامه عن المسلمين، وأنه مؤيد لها. لقد كان أحد مبررات موقف هذه المؤسسات الإعلامية، هو أسلوب خطابه والسوقية في المحتوى، فكانت التغطيات الإخبارية تتعامل معه كمرشح غريب، ومتقلب، وليس لديه الكفاءة، وغيرها من المبررات، هذه المفارقة هي التي ستربك النظرة للموضوع خاصة أولئك الذين لديهم هوس نفسي في مهاجمة كل ما هو أمريكي.
وقد يستعمل البعض ما حدث مبررا لمواقف منحازة في تغطياتهم الإعلامية مستقبلا، بحجة أنه هذا ما فعلته مؤسسات إعلامية عريقة، خاصة من أصحاب الرؤية المؤدلجة والمسيسة في عالمنا العربي، وقد كانوا يتكلفون في البحث عن شواهد وأدلة على وجود انحياز عند تلك المؤسسات تبرر لهم هذا التصرف، فكيف وقد جاءهم دليل بهذا الوضوح. هذا الاستدلال سيكون مضللا، لأنه انتقائي كما هو معتاد، ويتجاهل إكمال بقية القصة الإعلامية، فالحقيقة أن هذا الانحياز المكشوف فشل في الأخير، وهزم فيها آلاف الصحفيين، فلم يتحقق الهدف الإعلامي المطلوب، بمعنى أن الرأي العام شعر بوجود تحامل ضد طرف، فأراد الانتقام وصوت للآخر الذي شوهت سمعته، وهذه أحد العوامل النفسية عند الفرد المستقبل للخطاب عندما يشعر بأن الإعلام يبالغ في تسويق صورة معينة. إن مشكلة الانحياز الإعلامي ليست في هل يوجد له مبرر أخلاقي أم لا، وإنما في كلفته النهائية وفشله.. نتيجة اختلال جانب من جوانب معادلة الرسالة الإعلامية.
[email protected]
تبدو الانتخابات الأمريكية فرصة جيدة لتأمل بعض المستجدات في الإعلام ومواقفه وأخلاقيات المهنة والمصداقية، وهي تحليلات تستقر في الذاكرة وتقارن مع كل مرحلة سابقة.
الجديد في هذه الحالة وغير المسبوق، هو الانحياز الفاضح لمرشح على حساب آخر، وهو انحياز ليس من النوع الذي يستنتج استنتاجا، وإنما معركة صريحة بين طرفين جعلت المرشح ترامب يتهم هذا الإعلام أثناء حملته بتشويهه والتزوير، واختلط هذا الدعم لهيلاري كلينتون مع التوقعات بفوزها، واستسلم الجميع لهذا التوقع، حتى إن مجلة «نيوزويك» طبعت آلاف النسخ وعلى غلافها فوز كلينتون قبل إعلان النتيجة. وهناك صحف لها تاريخ ممتد لقرن ونصف أعلنت تأييدها للمرشحة الديمقراطية، وقد أيدت أكثر من 200 صحيفة كلينتون، بينما حصل ترامب على دعم أقل من 20 صحيفة، وحتى اليهود الأكثرية منهم صوتت لكلينتون.
تبدو أهمية ما حدث أنه كسر أنماطا ذهنية تقليدية متعددة، وهشم الوعي الجامد في رؤية المؤثرات والمتغيرات، لكن خطأ مبالغات الماضي في استحضار دور الإعلام في الفوز لا يختلف عن وهم البعض بنهاية هذا التأثير وإعلان سقوطه، فهذا الفارق المحدود في الفوز يجب ألا يحول الصورة إلى رؤية تنسف قيمة وأهمية المؤسسات الإعلامية ودورها الذي ما زال مستمرا خاصة في الغرب، ويتجاهل وجود عوامل أخرى أدت إلى هزيمة المرشحة الديمقراطية. هذه العوامل حقيقية يعرفها الناخب الأمريكي جعلته يفضل ترامب، فالإعلام مهما كان حجمه وقوة حضوره لن يكون قادرا على إخفاء بعض الحقائق عن أداء الحزب الديمقراطي وتجربته خلال الثماني سنوات الماضية.
والسؤال الأهم الذي يستحق حوارات مهنية، ما هو الموقف من مواقف الإعلام في هذه الحالة، وكيف يتم تقييمها، خاصة تلك التي أعلنت صراحة تأييدها لمرشح دون آخر، فما حدث هو إشكال في عمق القيم الإعلامية وأصول المهنة، وهل يمكن التخلي عنها في بعض الحالات، تحت أي مبرر بمثل هذا المواقف المكشوفة!؟ القضية هنا ليست هل يوجد إعلام محايد أم لا، فالميول والاتجاهات قضية أخرى، فالذي حدث كان خارج مسألة الميول المخفية، وإنما في المواقف الصريحة. وهل ستختلف الرؤية لهذا الموقف فيما لو حدث العكس، ووقف الإعلام لصالح ترامب! من المتوقع أن يرفع البعض أصواتهم بالحديث عن الفساد وسطوة المال، ويتم تحميل هذا الإعلام المقولات العنصرية وكلامه عن المسلمين، وأنه مؤيد لها. لقد كان أحد مبررات موقف هذه المؤسسات الإعلامية، هو أسلوب خطابه والسوقية في المحتوى، فكانت التغطيات الإخبارية تتعامل معه كمرشح غريب، ومتقلب، وليس لديه الكفاءة، وغيرها من المبررات، هذه المفارقة هي التي ستربك النظرة للموضوع خاصة أولئك الذين لديهم هوس نفسي في مهاجمة كل ما هو أمريكي.
وقد يستعمل البعض ما حدث مبررا لمواقف منحازة في تغطياتهم الإعلامية مستقبلا، بحجة أنه هذا ما فعلته مؤسسات إعلامية عريقة، خاصة من أصحاب الرؤية المؤدلجة والمسيسة في عالمنا العربي، وقد كانوا يتكلفون في البحث عن شواهد وأدلة على وجود انحياز عند تلك المؤسسات تبرر لهم هذا التصرف، فكيف وقد جاءهم دليل بهذا الوضوح. هذا الاستدلال سيكون مضللا، لأنه انتقائي كما هو معتاد، ويتجاهل إكمال بقية القصة الإعلامية، فالحقيقة أن هذا الانحياز المكشوف فشل في الأخير، وهزم فيها آلاف الصحفيين، فلم يتحقق الهدف الإعلامي المطلوب، بمعنى أن الرأي العام شعر بوجود تحامل ضد طرف، فأراد الانتقام وصوت للآخر الذي شوهت سمعته، وهذه أحد العوامل النفسية عند الفرد المستقبل للخطاب عندما يشعر بأن الإعلام يبالغ في تسويق صورة معينة. إن مشكلة الانحياز الإعلامي ليست في هل يوجد له مبرر أخلاقي أم لا، وإنما في كلفته النهائية وفشله.. نتيجة اختلال جانب من جوانب معادلة الرسالة الإعلامية.
[email protected]