رسالة من يماني في السجن
الخميس - 17 نوفمبر 2016
Thu - 17 Nov 2016
من منا لم تخلب لبه وشغاف قلبه قصص الأمير الحمداني الفارس أبو الفراس، ومن منا لم تحزنه قصائده الروميات، والتي كان يرسلها من أسره، حيث سجن مرتين في حروب دولته الحمدانية مع دولة الروم.
وكم تعجبنا وغضبنا وتألمنا بأنه كان يكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه من أسره؛ غير أن سيف الدولة ظل يتباطأ ويهمل رسائله.
وأسباب ذلك كانت إحساس سيف الدولة بخطورته على كرسي الحكم، حيث إنه ممن تهون عليهم في المعالي نفوسهم!
وفر من سجنه الأول في حصن (خرشنة) على نهر الفرات بعد سبع سنين أليمة.
وعجز عن الهرب من أسره الثاني سنة 962م، في قلب (القسطنطينية)، فظل يكاتب ابن عمه سيف الدولة خلالها، ويحاول استعطافه بالأشعار، وأن يحثه على افتدائه، حتى تم له ذلك أخيرا بعد أربع سنوات من قهر الظلم.
وقد أرسل أشعاره من عمق زنزانته إلى ابنة أخيه، وكتب لوالدته، وخاطب قومه، وناح وباح لجارته حمامة الأسر، وتوج قصائده الفريدة برائعته أراك عصي الدمع، مصورا فيها شموخه وعزته:
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر.
وقد صدقت أحاسيس سيف الدولة عنه، فبعد أن ولى ابنه القاصر على الحكم قبل وفاته، وجعل غلامه التركي (فرعويه) وصيا عليه؛ ثار عليه أبو الفراس في حمص، حتى قتل سنة 968م، وهو ابن السادسة والثلاثين.
لا أدري لماذا يتعودني ذكر هذا الأمير الفارس الشاعر كلما سمعت عن أسير، وسجن.
وقد وصلتني بالأمس رسالة (واتس اب)، يخبرني مرسلها أنه سجين باليمن، تراكمت عليه الديون بأسباب تأخر صرف مرتبات الموظفين، وعدم إيفاء الدولة، فحزنت كثيرا، مع معرفتي باحتمالية كذب صاحب الرسالة، وربما أنه يستغل وجود الحروب والفوضى للنصب على الآخرين.
أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي، وأنا عاجز عن الجزم، فهل أنا أمام حكاية فارس أسير، وأماطل كما فعل سيف الدولة، وهل نحن أمام قصة تستحق التضحية والتدخل، رغم المخاوف بأن يكون المرسل جهة إرهابية تزيد من اشتعال الحرب، وتشتري الأنفس والسلاح!
ثم كيف لي أن أتخيل في هذا الظرف سجينا استبدل حمامة أبي الفراس بجهاز جوال ذكي، وانترنت، وشاحن، وفي سجن يماني حالي!
ثم كيف سيتم إرسال الفدية، وهل لا تزال بنوك اليمن، ومكاتب التحويل تعمل، وبشكل آمن رغم سوء الأوضاع!
لك الله يا أسير اليمن، إن كنت حقيقة ماثلة، فأنا كغيري نقف عاجزين عن التدخل، وربما نخشى من فروسيتك على سير الحرب، القميئة، التي نتمنى أن تنتهي اليوم قبل الغد، ونخشى أن نكون بالتدخل نساعد على تمطيطها، وتعميقها.
أين لجان حقوق الإنسان، وأين المنظمات الدولية عمن يقبعون في السجون هناك، وعمن يعانون من الفقر، والمرض، والموت، ولماذا تتباطأ عن نجدتهم، وعونهم.
بالنسبة لنا كشعوب عربية، وخليجية بالذات، فرسائل طلب العون لا تتوقف عنا منذ عقود، ومن مختلف مناطق الشتات المقهورة بالحروب، والإرهاب.
إخواننا في العراق، وسوريا، وليبيا، والصومال، واليمن، وملايين من طالبي الهجرة من مناطق الخوف يستحثون نخوتنا العربية، ونحن أبطأ وأعجز وأكثر تشكيكا من سيف الدولة، مهما اختلفت الحكايات.
[email protected]
وكم تعجبنا وغضبنا وتألمنا بأنه كان يكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه من أسره؛ غير أن سيف الدولة ظل يتباطأ ويهمل رسائله.
وأسباب ذلك كانت إحساس سيف الدولة بخطورته على كرسي الحكم، حيث إنه ممن تهون عليهم في المعالي نفوسهم!
وفر من سجنه الأول في حصن (خرشنة) على نهر الفرات بعد سبع سنين أليمة.
وعجز عن الهرب من أسره الثاني سنة 962م، في قلب (القسطنطينية)، فظل يكاتب ابن عمه سيف الدولة خلالها، ويحاول استعطافه بالأشعار، وأن يحثه على افتدائه، حتى تم له ذلك أخيرا بعد أربع سنوات من قهر الظلم.
وقد أرسل أشعاره من عمق زنزانته إلى ابنة أخيه، وكتب لوالدته، وخاطب قومه، وناح وباح لجارته حمامة الأسر، وتوج قصائده الفريدة برائعته أراك عصي الدمع، مصورا فيها شموخه وعزته:
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر.
وقد صدقت أحاسيس سيف الدولة عنه، فبعد أن ولى ابنه القاصر على الحكم قبل وفاته، وجعل غلامه التركي (فرعويه) وصيا عليه؛ ثار عليه أبو الفراس في حمص، حتى قتل سنة 968م، وهو ابن السادسة والثلاثين.
لا أدري لماذا يتعودني ذكر هذا الأمير الفارس الشاعر كلما سمعت عن أسير، وسجن.
وقد وصلتني بالأمس رسالة (واتس اب)، يخبرني مرسلها أنه سجين باليمن، تراكمت عليه الديون بأسباب تأخر صرف مرتبات الموظفين، وعدم إيفاء الدولة، فحزنت كثيرا، مع معرفتي باحتمالية كذب صاحب الرسالة، وربما أنه يستغل وجود الحروب والفوضى للنصب على الآخرين.
أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي، وأنا عاجز عن الجزم، فهل أنا أمام حكاية فارس أسير، وأماطل كما فعل سيف الدولة، وهل نحن أمام قصة تستحق التضحية والتدخل، رغم المخاوف بأن يكون المرسل جهة إرهابية تزيد من اشتعال الحرب، وتشتري الأنفس والسلاح!
ثم كيف لي أن أتخيل في هذا الظرف سجينا استبدل حمامة أبي الفراس بجهاز جوال ذكي، وانترنت، وشاحن، وفي سجن يماني حالي!
ثم كيف سيتم إرسال الفدية، وهل لا تزال بنوك اليمن، ومكاتب التحويل تعمل، وبشكل آمن رغم سوء الأوضاع!
لك الله يا أسير اليمن، إن كنت حقيقة ماثلة، فأنا كغيري نقف عاجزين عن التدخل، وربما نخشى من فروسيتك على سير الحرب، القميئة، التي نتمنى أن تنتهي اليوم قبل الغد، ونخشى أن نكون بالتدخل نساعد على تمطيطها، وتعميقها.
أين لجان حقوق الإنسان، وأين المنظمات الدولية عمن يقبعون في السجون هناك، وعمن يعانون من الفقر، والمرض، والموت، ولماذا تتباطأ عن نجدتهم، وعونهم.
بالنسبة لنا كشعوب عربية، وخليجية بالذات، فرسائل طلب العون لا تتوقف عنا منذ عقود، ومن مختلف مناطق الشتات المقهورة بالحروب، والإرهاب.
إخواننا في العراق، وسوريا، وليبيا، والصومال، واليمن، وملايين من طالبي الهجرة من مناطق الخوف يستحثون نخوتنا العربية، ونحن أبطأ وأعجز وأكثر تشكيكا من سيف الدولة، مهما اختلفت الحكايات.
[email protected]