المختلف.. منبوذ اليوم سيد الغد

الأربعاء - 16 نوفمبر 2016

Wed - 16 Nov 2016

في خضم الصراع الممتد منذ أواخر عهد الخلفاء الأربعة الراشدين، والمسلمون منقسمون فيما بينهم إلى فرق وطوائف شتى، انقسامات بدأت سياسية ثم تطور الأمر بتقدم الزمان وتطورت هذه الانقسامات والاختلافات حتى صارت فكرية وفقهية وسياسية كأمثلة فقط وليس حصرا لها.



الانقسام يختلف تماما عن الاختلاف، فالاختلاف هو أخف وطأة في التأثير بالسلبية على المجتمعات التي ترحب به، أو فلنقل إنه قد يكون في أحيان كثيرة عامل استقرار نفسيا وتطورا فكريا للمجتمعات التي تحتضنه.



العلة تكمن في الانقسام، أي إن يتحزب المجتمع إلى أحزاب تعلن القطيعة والبراءة الدينية والعقائدية والوطنية مع الآخر، وتلك هي شرارة النار التي تلتهم الأول والآخر حتى أنه لا يسلم منها مشعلها في نهاية الأمر.



فالمتاجر بالفرقة بين الناس إن نجح في إقصاء الجميع ولم يبق إلا هو فليس له إلا أن يبحث في بني قومه حتى يقسمهم هم أيضا لفرق وأحزاب فتضيق الدائرة شيئا فشيئا إلى أن يجد أنه السوي الوحيد على هذه الحياة! وذلك منتهى الغرور المتفرعن الذي سيغرق صاحبه كما أغرق فرعون غروره من قبله.



في العقلية التي ينتهجها الكثير لتبرير إقصائهم لغيرهم مفهوم (أننا نطبق الإسلام وكفى جدالا)، ولو علم أولئك أن من سبقونا في تصنيف المصنفات البحثية الإسلامية التي يستمدون منها إسلامهم لم يكونوا على رأي واحد في رؤيتهم للقضايا، ذلك أن النص القرآني الإعجازي يكمن إعجازه في أنه يعطي فسحة فكرية ليتلاءم مع كل أحوال البشر، فلا يشدهم للخلف ليعيشوا جاهلية الغربة عن حاضرهم ولا يتركهم يتخبطون فلا يجدون فيه ما يساعدهم على قراءته بما يخدم حاضرهم.



ومن هنا أحاول أن أعالج نظرة تشدنا شدا للوراء تحت شعار (لن يصلح حاضرنا إلا باستحضار ماضينا)، ذلك لأنني لا أتفق مع أي محاولة لجعل التاريخ يقيد نظرتنا للمستقبل، ولا أتفق مع أي رؤية تقيد العقول أن تجتهد لتصنع مستقبلا كما صنعه المجتهدون الأوائل وخدموا أجيالهم.



لقد كان أئمة المذاهب الأربعة مجتهدين في وقتهم وحققوا مصالح لمجتمعاتهم، ولم يمنعهم من يعانون من فوبيا الاجتهاد من أن يقدموا ما قدموا.



ولعلي أذكر القارئ بالرجوع لمحنة كل شيخ ومفكر فيهم لأنه كان صاحب رأي مختلف في عهده. ونحن اليوم نأخذ بآرائهم، لأن الفكرة الحق لا تموت، والباطل وإن على مرة فإنه مقبور باقي الدهر.



وأختم متحديا، بأن مفكري اليوم المنبوذين بيننا لأنهم خرجوا عن الجمود السائد هم سادة الغد ممن ستشكرهم الأجيال القادمة، لأنهم تحملوا الأذى في سبيل فكرة أو منهج يرتقي بالبشر، فالفكرة النيرة تحترق بنورها ملايين الأفكار المظلمة، لكنها مسألة وقت.